Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/03/2010 G Issue 13688
الأحد 05 ربيع الثاني 1431   العدد  13688
 
عودة الجراح المهاجرة
فوزية ناصر النعيم

 

تمنيت أن ذاك المساء لم يخرج من روتين حياتي ولم يوقظ داخلي نومة الغفلة.. تمنيت أن صدري ظل نظيفاً إلا من رماد أوقدته عنوة لكي أنسى مع لهيبه شعوراً يعاودني من جديد!.. لم أكن احتاج لذلك المساء لينزع عن قلبي أغلاله ويوقد لهيب الشوق في أحشائي.. لأنني أدرك تماماً أن لا شيء كما هو.. كل شيء يتبدل حتى إحساسنا كان في يوم ما وتراً نتراقص عليه طرباً ثم غدا جرحاً يتراقص الناس عليه ألما.. كل شيء يتبدل ولم أكن أنوي أن أبكي على الأطلال ولكنها أجبرتني على ذلك.. ما علمت أن قلبي متضخم بالحنين إلا حينما امتطى أقدامه وسبقني إليها.. كان يعرف الطرقات عتبة عتبة ويدرك المنعطفات منعطفاً منعطفاً وكل شيء ينبئني أن لا شيء يبقى على حاله.. مرير جداً هذا الشعور وما عرفت يوماً أنه قد يكون وخزاً مصدر ألم إلا حينما فتشت في الخبايا عن أبسط شعور قديم ولم أجده أو ربما أنني لم أجده وحزنت لفقده.. لماذا؟! رغم الحرب الضروس والهروب لواذاً والتمرد على الشعور تأتينا لحظة ضعف موجعة ندرك من خلالها أننا لا نهرب إلا لنلتقي فنعود إلى نقطة الهرب فتكون لقاء.. ثم نطالب الماء أن يبقى بين كفينا زمنا طويل ويأبى هو إلا أن يتسرب ويتساقط على أشجار حزننا ويرويها حتى تشمخ ويشتد عودها وتطاول عنان السماء لماذا تحول شعورنا إلى قهر في لحظة ما على غفلة منا.. عبثاً كنا نهرب.. لو كنت أدرك أن العودة ستكون أشد وطأة وأقوم قيلاً لما لذت بالهرب لحظة واحدة وواجهت تيارها العرم أم أن يهدأ أو يقتلع رأسي ويد حرجه على أرضها الصلبة التي كانت تشهد خياناتها المتكررة وعدم مصداقيتها معي ونزيفها الذي بلل أحشائي حتى جعلني أتنفس جرحاً وألتهم حزناً! كيف نعيد شعورنا بالأمان وثقتنا المفقودة مع عجلة الأحداث الموجعة وإرهاصاتها المتكررة.. كيف نستطيع أن نعيد الكرة.. أوليس منا رجل رشيد؟! قمة الأسى أن تخنقك حيرتك وتجبرك على خيارات أجملها مر علقم وأحلاها أسى مرير وتكرار للخيبات والأخطاء والمتاعب.. كيف نستطيع أن نعيد الكرة تحت ميثاق غليظ وكيف نغلّظ المواثيق حتى تكون دستوراً مخالفته جريمة نكراء آن الأوان لهذا الرأس المتدلي من جسدي أن يلقي بثقله على صدر رحب يحفظ غيابه ويصون حضوره ويكون له نبض يهب الحياة.. آن الأوان أن أغيّب كرامتي حتى لا تنغص على عاطفتي شعورها بعودة الجراح المهاجرة!.

عنيزة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد