Al Jazirah NewsPaper Monday  22/03/2010 G Issue 13689
الأثنين 06 ربيع الثاني 1431   العدد  13689
 
الرئة الثالثة
الجنادرية.. ومسيرة إبداع عمرها ربع قرن!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

 

ها قد مضى رفع قرن منذ أن تفتحت خزامى الجنادرية لترسل أنفاسها عطراً من الثقافة والتاريخ والتراث عبر هذه البلاد وخارجها، وتبث من خلال ذلك رسائل من الوفاء لماضيها العتيد، والزهو بمنجزات إنسانها الجديد، والتفاؤل في غد أغدق عطاءً وأنقى وأبقى حباً وسلاماً!

بالأمس، كانت الجنادرية (حورية) سمراء تفترش رمل الصحراء، وتتوسّد صخورها، وتكابد ريح الوحشة ورياحها آناء الصيف وأطراف الشتاء! كان ربيعها كخريفها، طيفاً لا تكاد تدركه الأبصار، وكانت الطيور المهاجرة تعبر سماءها مسرعة.. إذ لا ماء فيها ولا ظل ولا زاد!

وفجأة.. تبدل الحال.. اقتحم عقل الإنسان وخياله سكون الجنادرية، لينهي اعتكافها الأزلي في صومعة الزمن.. وليحيل وحشتها ألفة.. وصمتها صخباً، وجدبها عطاءً!

لقد زُفت غادة الصحراء.. (الجنادرية) إلى مدينة العصر الحديث قبل ربع قرن.. مصطحبة الفكر والفن والتراث في عرس مهيب ما برح يتجدد هيبةً وشموخاً عاماً بعد عام، وبات لنا.. وللناس معنا في كل مكان، عبر الجنادرية، موعدٌ نترقبه.. ونهفو إليه، وأضحى للإبداع سحابة من لؤلؤ تمطر كل حول.. فتشرق بضوئها وضوعها أرض الجنادرية، شعراً ونثراً ومسرحاً وروايةً، وغدت ندوتها الفكرية زاداً ثقافياً ترتاده العقول من كل مكان، فيُذكيها ويُشعلها ويشغلها!

لقد أثبتت (الجنادرية) عبر سنينها الخمس وعشرين قدرتها على تجسير الفجوة بين حاضر إنسان هذه الجزيرة وماضيه، وتجسيد التآخي بين أصالة جذره التليد، وجزالة عطائه المتجدد، منحت الجنادرية هوية هذا الإنسان بعداً رائعاً ساهم ويسهم في تصحيح ما علق في بعض الأذهان القريبة والبعيدة عنه من سوء في الفهم، وسقم في الظن، وعِوج في الرؤية، كالقول إنه لم ولن يقوم له شأن إلا بالبترول.. وانه بالبترول وحده.. يكون هذا الإنسان أو لا يكون!

أخيراً، أزعم أن في (الجنادرية) ردّاً موجزاً ومبدعاً لهذا المفهوم، لأنها تحكي سيرة إنسان هذه الأرض.. تراثاً وفكراً وإبداعاً، يتجاوز أثره وتأثيره حدود جغرافيا وتاريخ بلاده ليُعانق أطياف الزمن البعيد، ويقف شاهداً على الانتماء إلى منظومة العطاء الحديث، وقدرته على التكيّف مع ظروف الزمان والمكان، عسراً ويسراً، قبل البترول وبعده!

تلك كانت باختصار شديد، رسالة (الجنادرية) ومدلولها.. فهي قبل كل شيء رمزٌ جميل لكبرياء الماضي، وعنفوان الحاضر، وطموح المستقبل، وهي بعد كل شيء قيثارة ترسل نغمها البليغ سنوياً.. فيسري صداه الجميل في أرجاء الوطن العربي.. وتستجيب له الأفئدة مسرعة، من الخليج إلى المحيط!

بوركت الجنادرية، وبورك المبدعون لها تأسيساً وتأصيلاً وثباتاً على مر الزمن!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد