Al Jazirah NewsPaper Monday  22/03/2010 G Issue 13689
الأثنين 06 ربيع الثاني 1431   العدد  13689
 
لما هو آت
لغة.. وهي الناطق..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

العابر بالشارع المصري، أول ما يلتقيه في زحاماته، وتقاطعاته أنه فرِح بأهله، يتراقص طرباً، وإنسانه كادح مسحوق، لكن أسلوب التعبير عنده، هو بأن يطرب، ويركض، لذا تجد المصريين يتحدثون بسرعة، ويأكلون بسرعة، ويضحكون بسرعة، ويقودون عرباتهم بسرعة، وهم المجتمع الذي نهضت فيه حضارات، وخرج ولا يزال منه علماء، وضخّهم في شرايين مؤسسات قيادة الإبداع والعلم والإنجاز والفن بل الحكمة في معناها الشامل للمنطق والعلم والمعرفة والدين.. فأقطابٌ قدَّمهم الشارع المصري، قراءتي هذه محض لحظة، بدأت كلما خرجت إلى الشارع, في عاصمتنا ألمح شيئاً من شبه, من الشارع المصري، لكن في السرعة والزحمة، فساعات الذروة منذ سنوات، لم تعد محدودة، أو محصورة في مناطق دون غيرها، ولا في مسارات شوارع رئيسة فقط، بل هي حتى عندما يكون اتجاهك داخل الأحياء, فإن شوارعها أيضاً تكتظ، لكن لم تتضح بعد صورة اللغة التي يعبر بها المجتمع، لا عن أفراحه، ولا عن أحزانه، إلا ما تشي به مصطلحات ثلل المثقفين المتسيدين منابر الكلام، بالصورة والصوت، وبجوارهم بحدة تلك اللغة التي بدأت تسود في السرد والرواية والشعر, بل في غالبية النصوص النثرية «المقالات»، هذا النوع من الأدب الذي بقدرة ما أقصاه عن الإبداع، ليس الطبيعة فيه، ولا دوره في الأثر الأدبي, والفكري للأمة، وليس الشارع ذاته, بكل طيوفه، بل أولئك الذين يقفون على رصيفه، ويحركون ياقاتهم للشمس، وينحصرون في مدِّ موجاته، ولعلهم بعد انحسار هذا المد، سيقرأون ما تمَّ وشمه, فوق جلد مسارات الركض، والصوت، والكلام.

الشارع المصري لوحة كان, ولا يزال بوصفه الأكبر، والأشمل، لقراءات واعية، ومتعمقة للإنسان المتحرك فوقه، وشارعنا بعد لم تتكامل بعد ملامح إنسانه في خضم ما استجد.. لكنه الآن، يستقي فرحه، ودموعه معلبة، كما هو حاله وهو يستقي علب البيبسي كولا، فتارة يمتنع عنها لما يقال عن آثارها المَرَضية، وأخرى يُقبل عليها بشراهة الضامن, في شأنها الممتع لذائقته. فمن سيقرأ، وسيصنف القاموس اللغوي, والتعبيري, والنفسي للشارع وهو يعبر به، كلما تحرك لحاجاته، واتجاهاته..؟.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد