Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/03/2010 G Issue 13695
الأحد 12 ربيع الثاني 1431   العدد  13695
 
فلنطعن الفيل لا ظله..!
محمد سعد كنعان الصييفي

 

يستغرب البعض بروز ظاهرة الصراعات داخل العديد من القطاعين الخاص والعام بل داخل الإدارة الواحدة في بعض الأحيان، وهناك كثيرون ممن أعياهم البحث عن أسباب مباشرة أو غير مباشرة لتلك الصراعات، بعضهم توصل إلى ما اعتبره أسباباً ولكنهم آثروا الصمت من باب (أربط ال...) و(يا دار ما دخلك شر)، وأنا لا أدعي أنني أجدر من غيري بطرح القضية على العلن ولكن الكيل طفح في وجهة نظري ولم أعد قادراً على تجميل القذى في العين أو إغماضها عنه وكأنه غير موجود.

برأيي أن هناك جملة من الأسباب تقف وراء تلك الظاهرة وتتضافر كلها لترسخ جواً أبعد ما يكون عن البيئة الصحية للعمل وسأورد أهمها في ما يلي:

تداخل المهام بين الوحدات الإدارية: وهذا العامل ينطوي على تأثير سلبي مزدوج على الأداء، فالتداخل من ناحية يورث التواكل بين الوحدتين اللتين لا تتبين كل منهما ما إذا كانت المهمة المعينة من اختصاصها أم اختصاص الوحدة الأخرى فتتراخى هذه باعتبار أنها مهمة الأخرى والعكس، والنتيجة توهان المهمة بسبب التداخل، وهو من ناحية أخرى يولد صراعاً لا جدوى منه بين الوحدات الإدارية حول الصلاحيات كان يمكن تجنبه في حال توضيح مهام وصلاحيات كل وحدة بصورة لا تقبل التأويل.

غموض المهام الموكلة للموظف: وهذه تختلف عن التداخل في أن الصلاحيات واضحة داخل الوحدة الإدارية ولكن عندما يتم تكليف موظف ما بمهمة فإنه يعاني الأمرين في فهم طبيعة تلك المهمة أو جهاتها المرجعية أو حدود صلاحياته في اتخاذ أي قرار حولها، ما يؤدي إلى تكرار مراجعته لرئيسه المباشر الذي سيعتبر ذلك ضرباً من نقص الكفاءة أو أن يجتهد الموظف ويبتكر لينفذ المهمة فيُعتَبَر متجاوزاً لصلاحياته غير المحددة في تلك المهمة، وفي الحالين ينشأ سوء تفاهم إن لم يكن صراعاً بين الموظف ورئيسه ويتضرر دولاب العمل.

عدم التقيد بالتسلسل الإداري: أما هذا العامل فيمكن اعتباره مرضاً اجتماعياً تسلل إلى جسد الخدمة المدنية «في القطاعين الخاص والعام» إذ إنك تجد موظفاً بينه وبين مدير الإدارة أو المدير العام أو الوكيل أكثر من شخص في مرتبة أعلى ولكنه يتجاوزهم بالتعامل مباشرة مع المدير أو الوكيل، أو العكس من سعادة المسؤول يتجاوز المسؤولين الذين مرتبطين به ويتعامل مباشرة مع مرؤوسيهم وهذا عدا أنه مخالف للنظم والتراتبية الإدارية، فإنه يخلق جواً مشحوناً بالتوتر من أسوأ مظاهره الشللية والمكايدة وليس أشد ضرراً بانسيابية العمل منهما.

المحاباة في مسائل التدريب والانتداب والتكليف: لا أعتقد أن هذه النقطة تحتاج إلى شرح أو توضيح، فالمفترض أن هناك شروطاً ومتطلباتٍ واضحة ومحددة بدقة لكل من التدريب والانتداب والتكليف في القطاعين الخاص والعام تنص على توفر مواصفات ودرجات وظيفية وغير ذلك، ولكن الواقع أن عدداً مقدراً منها تم ويتم خارج هذا الإطار مخلفاً شعوراً طاغياً بالإحباط وإحساساً جامحاً بالتجاهل لدى الموظف المستحق الذي تم تجاوزه مرةً بعد أخرى ولكم أن تتخيلوا أثر ذلك على أدائه.

مساواة من يعملون بمن لا يعملون: هذا بالتأكيد حاصل جمع مجمل السلبيات والممارسات المذكورة آنفاً ويتلخص في أن بعض الموظفين يدخلون ويخرجون مصحوبين بصوت عالٍ وجلبةٍ أعلى، متظاهرين بأنهم يعملون في حين أن الأمر لا يعدو كونه جعجعةً من غير طحين، بينما هناك من يعملون في صمت ويلتزمون ليس فقط بالمواعيد والأنظمة والإجراءات بل يبدعون ويبتكرون في أداء مهامهم وقلوبهم على ما يؤدونه. فإذا لم يكن هناك وازع ولا رادع للمتظاهرين لماذا نحرم المتفانين والمبدعين من الحافز حتى إن كان معنوياً؟.. وإننا بهذا نساوي بين من يعملون ومن لا يعملون..!.

ما ذكرته أعلاه يجسد في رأيي المتواضع أهم أسباب ليس الصراعات فقط بل أيضاً ما لا يلحظه الكثيرون من تقاعس وعدم اهتمام بتجويد العمل وهو لعمري ناتج من الإحباط والشعور بالاستياء الذي ينتاب الكثيرين بسبب الممارسات المشار إليها، وكما أسلفت في مستهل مقالتي فإنني لا أزعم لنفسي ما أنفيه عن آخرين ولكن الله من وراء القصد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد