Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/03/2010 G Issue 13695
الأحد 12 ربيع الثاني 1431   العدد  13695
 

أثر تهميش دور المرأة في نهضة الأمة
د. ليلى عبدالرشيد عطار

 

رغم التقدم العلمي والتقني في وقتنا الحاضر، ورغم حصول المرأة على الدرجات العلمية العليا، وتوليها المناصب المرموقة، إلا أنها عادت القهقري إلى جاهلية عاتية، وتخلف مقيت لا يليق بإنسانيتها ومكانتها في صناعة البشر وإدارة الحياة، وهذا يذكرنا بما كانت عليه قبل الإسلام، وكيف كانت مهينة ذليلة لا تملك من أمرها شيئاً، تُمْلك ولا تَمْلِك، وتُورث ولا تَرِث حتى حررها الإسلام من عبودية الرجل وطغيانه، وأعطاها حقوقاً كثيرة تتناسب ووظيفتها ودورها في الحياة، فأثبتت جدارتها وشاركت الرجل في صناعة الحياة ونهضة الأمة الإسلامية في مختلف جوانب الحياة. وعندما ابتعدت الأمة الإسلامية عن تطبيق شرع الله عز وجل في جميع أمورها، وانشغلت بالمطامع الدنيوية والشهوات الوقتية، ضعف دور المرأة تدريجياً، وأصبحت تفقد كل يوم حقاً من حقوقها، وتقلص دورها وانحصر في خدمة الزوج ورعاية الأطفال دون علم ومعرفة، وإنما من موروثات العادات والتقاليد التي ورثتها من أمها وجدتها وقريباتها، فنتج عن ذلك أجيال ضعيفة لا تفقه من دينها إلا العبادات الشكلية، أما روح الدين وتشريعاته فلا علم لهم به وإنما محفوظ في الكتب.

وقد صدق الشاعر عندما قال:

ولم أر للخلائق من محل

يهذبها كحضن الأمهات

فحضن الأم مدرسة تسامت

بتربية البنين أو البنات

وهل يرجي لأطفال كمال

إذا نشأوا بحضن الجاهلات

ونتيجة لهذه التربية الضعيفة للرجال والنساء من هؤلاء الأمهات، ظهر جيل من الرجال يعاملون المرأة كأنها من جنس ثاني في المرتبة الأخيرة من المخلوقات البشرية، فهم يشعرون بالحرج الشديد من ذكر اسم المرأة أماً وزوجة وبنتاً، ولم يقتدوا برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان يذكر أسماء زوجاته وبناته ونساء المؤمنين صراحة تكريماً وتعزيزاً لهن، وهذا ما حدث عندما مر عليه رجلان من الأنصار فسلما عليه، فقال لهما: على رسلكما.. إنما هي صفية بن حي..

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال: قال: أبوها؟

هل يستطيع الآن رجلا مسلماً أو عالماً من علمائنا الأفاضل أن يصرح بحبه لزوجته. في وقتنا الحالي كم من الرجال يسمح لزوجته أو لابنته بحضور مجالس العلم لتعلم وتتعلم حتى تفيد نفسها وأطفالها ومجتمعها، كما حدث من حرص نساء المسلمين عندما جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا. هل تستطيع امرأة -الآن - أن تطالب بحقها في مفارقة الزوج دون إضرار شديد مؤلم لها ولأطفالها سواء من قبل زوجها أو من قبل المحاكم؟! هل تستطيع أن تحصل على هذا الحق بيسر وسهولة كما حدث عندما جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا إني أخاف الكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم، فردت عليه وأمره ففارقها. ولم يهدر حق المرة في طلب مفارقة الزوج فقط، وإنما حقها في اختيار الزوج الذي تراه مناسباً لها، فالأب هو الذي يختاره بناء على مواصفاته هو وليست هي؟! متناسياً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الآيم (الثيب) حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن) كم من الآباء طبق هذا الحديث وأعطى للمرأة الحق في الاختيار دون ضغوط وتهديد! هل يوجد عالم من علمائنا الأفاضل -في هذا الزمان- يسمح لزوجته أن تحضر صلاة الجنازة؟! عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حُجرهن يصلين عليه. إن ما عرضته من مواقف نبوية بسيطة جداً، لأدلل على أن وراء ضعف دور المرأة في نهضة الأمة وازدهارها، هي النظرة الدونية من الرجل للمرأة وهي التي دفعته إلى بخسها حقوقها وإيراداتها ورأيها، وجعل منها تابعاً له لا حول ولا قوة لها إلا باتباع أوامره ورغباته وإلا فالويل لها من سوء المعاملة والضرب والهجر والحرمان من أطفالها إن لم تنفذ ما يريد. وللأسف الشديد إن معاملة الرجل للمرأة، هي معامل السيد لعبده، فكيف يمكن لعبدٍ أسير الخوف والضعف والظلم والألم والحرمان أن يكون له دور إيجابي مع نفسه أو مع غيره. إن المرأة المسلمة يوم حررت من الجاهلية الأولى وأعطاها الإسلام حقوقها كاملة، وعاملها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يليق بإنسانيتها وكرامتها بلغت درجة عالية من الفضل وشاركت في بناء الامة الخيرة، ويوم أن عوملت بالفهم الخاطئ للآيات القرآنية والأحاديث النبوية (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) و(النساء ناقصات عقل ودين) وغيرها، سلبت إرادتها، وتقلص دورها وأصبحت أسيرة التفكير الجاهلي للرجل المسلم. قد يعتقد القارئ الكريم أنني مبالغة فيما أوجزت في كتابته عن بعض حقوق المرأة، وأنني من النساء الحاقدات على الرجال، لذلك فإنني أدافع عن نفسي بأنني غير ذلك، وحتى يصدر حكمة العادل علي، فإنني أحيله إلى قراءة وفهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في إثبات حقوق المرأة في جميع الجوانب حتى كان لها دور إيجابي فاعل في إقامة خير أمة أخرجت للناس في عهد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. وكل ما تحتاجه المرأة المسلمة حتى تستعيد دورها في بناء المجتمع المسلم أن يصحح الرجل نظرته الدونية عنها ويعاملها معاملة كريمة من خلال اعطائها حقوقها كاملة غير منقوصة دون تبرير أو تردد، مع الإيمان المطلق بقدراتها واستعداداتها، القادرة على البناء والعطاء دون حدود. ويوم أن تُعطى المرأة المسلمة حقوقها التي أعطاها الإسلام، وفي ظل المعطيات المادية والبشرية الموجودة حالياً، فإنها تستطيع أن تصنع المعجزات وتصل بالأمة الإسلامية إلى قمة مجدها وعزها كما فعلت المسلمات الأوائل، فحرروا الرجل من معتقداته وفكره وتسلطه عن المرأة.. فإن المرأة تتحرر وتنطلق في بناء الأمة.

أستاذ مشارك التربية الإسلامية بكلية التربية للبنات - الأقسام الأدبية - جامعة الملك عبدالعزيز بجدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد