Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/04/2010 G Issue 13699
الخميس 16 ربيع الثاني 1431   العدد  13699
 
المنظمة المتعلمة
عبدالله بن عايش الحربي

 

إنَّ التغيرات السريعة والهائلة في البيئة المحيطة بالمنظمات الحكومية وكذلك الخاصة، والناتجة من التطورات التكنولوجية الهائلة والتقدُّم العلمي وثورة الاتصالات، تحتم على منظماتنا مواكبة تلك التطورات، والبحث عن استراتيجيات ومفاهيم جديدة تساعدها على التكيُّف والتأقلم مع تلك التغيرات، وبالسرعة المطلوبة.

ومن تلك المفاهيم مفهوم المنظمة المتعلمة (learning organization)، الذي برز في التسعينيات من القرن الماضي على يد مبتكر ذلك المفهوم بيتر سنج، الذي يعتقد أن الميزة الأساسية للتنافس بين المنظمات في هذا القرن ستكون السرعة في التعلُّم.

ويشدِّد الدكتور عبدالله البريدي مدير برنامج الماجستير بجامعة القصيم على ضرورة تأسيس ذاكرة جمعية تراكمية من أجل تحوُّل المنظمات إلى منظمة متعلمة، وأنه يجب الاستفادة من التجارب السابقة وما بها من أخطاء. ومن أجل إيضاح فكرة المنظمة المتعلمة للقارئ الكريم فإننا نشير إلى أن سنج (senge) يعرِّف المنظمة المتعلمة في كتابه المنهج الخامس.. الفن والممارسة للمنظمة المتعلمة (The Fifth Displine Art and Practice of Learning organization) على أنها المنظمة التي تعمل باستمرار على زيادة قدرتها وطاقتها على تشكيل المستقبل الذي ترغب في تحقيقه؛ فهي منظمة ذات فلسفة تتنبأ بالتغير وتستعد له وتسجيب لما يتطلبه، إضافة إلى أنها تسعى لاكتساب قدرات تمكنها من التعامل مع التعقيد والغموض.

ويرى سنج أن ذلك يتحقق من خلال العمل باستمرار على زيادة قدرات العاملين من أجل تحقيق النتائج التي يرغبون في تحقيقها، وذلك بمنحهم قدراً من المرونة والحرية في التفكير مما يولد لديهم الدافع والطموح للعمل سوياً لابتكار نماذج وطرقاً جديدة، كما أن الأفراد فيها يتعلمون باستمرار كيف يتعلمون وكيف يستفيدون من الأخطاء والتجارب السابقة سواءً الداخلية أو الخارجية.

لذلك فإن المنظمات المتعلمة - من وجهة نظر سنج - تتميز عن غيرها بأنها تتسم بخمس صفات أساسية تتمثل فيما يأتي:

1- التمكُّن الذاتي للموظفين (Personal Mastery) الذي ينظر إليه سنج على أنه منهج مستمر يسلكه الفرد لتحسين الذات، ويقوم على مجموعة من المبادئ والممارسات، منها تحديد الرؤية الشخصية أو تحديد الأمور التي يرى الفرد أنها مهمة بالنسبة إليه، وتحدد الوضع الراهن للفرد، أو ما يطلق عليه سنج التوتر الإبداعي الذي يُقصد به الشعور بالقلق والتوتر الناتج من الفجوة الحاصلة بين الرؤية والواقع؛ فالأفراد المتمكنون ذاتياً يشعرون بالرضا عن الذات، ولديهم شعور بالسعادة والقوة الصادرة عن قوة المعرفة؛ ما يكون له تأثير إيجابي في معنوياتهم وأدائهم وأداء المنظمة ككل.

2- التفكير النظمي (System thinking)، الذي يعرفه سنج بأنه منهج وإطار عمل يقوم على رؤية الكل بدلاً من الجزء، ورؤية العلاقات البينية التي تربط بين أجزاء النظام بالمنظمة، فضلاً عن التركيز على الأجزاء ذاتها؛ لأن المنظمات هي أنظمة فرعية من نظام أكبر، وهو المجتمع الذي توجد فيه، وهي كذلك عبارة عن نظام يتكون من مجموعة من الأجزاء المتداخلة والمترابطة بعضها مع بعض، التي تؤثر معظمها في بعض، وتتأثر فيما بينها بطريقة تبادلية.

3- النماذج الذهنية (Mental Models)، وهي ببساطة تعبِّر عن طريقة وأسلوب مبني على الافتراضات والمعتقدات الشخصية عن الكيفية التي نجري ونفسِّر بها الأمور والأحداث، والتي على أساسها تتخذ القرارات في الأعمال اليومية؛ لذلك فإن معظم الأفكار والمقترحات الجديدة وذات الجدوى تصطدم مع النماذج الذهنية عند تطبيقها على أرض الواقع.

4- الرؤية المشتركة (Shared vision)، ويقصد بالرؤية المشتركة أنها قدرة مجموعة من الأفراد على رسم صورة مشتركة أو متماثلة للمستقبل المنشود أو ما يرغبون في تحقيقه؛ فالمنظمات الناجحة هي التي تستطيع جمع العاملين بها حول رؤية مشتركة وإحساس مشترك بتوجهات المنظمة وتطلعاتها المستقبلية.

5- التعلُّم الجماعي (Team Learning)، وهو إحدى أهم السمات التي تتسم بها فرق العمل البارزة والمتميزة بأدائها الناجح. ويعرِّف سنج التعلُّم الجماعي بأنه مفتاح التعلُّم بالمنظمة، وهو العملية التي يتم بموجبها تنظيم وترتيب وتوحيد جهود مجموعة من الأفراد لتحقيق النتائج التي يرغبون في تحقيقها.

مما سبق يتضح أهمية المنظمة المتعلمة وضرورة تطبيق المبادئ التي نادى بها سنج لتحويل منظماتنا إلى منظمات متعلمة تستفيد من أخطائها، ويكون التعلُّم التنظيمي هو الركيزة الأساسية بها، خاصة في ظل ما نعانيه من تكرار الأخطاء وعدم التعلُّم من التجارب السابقة في منظماتنا الحكومية والخاصة؛ فأغلب المشكلات التي تواجه تلك المنظمات قد تكون متكررة في كل عام؛ لذلك فإنه آن الأوان لتطبيق ذلك المفهوم في منظماتنا، وذلك بالقيام بالآتي:

1- ضرورة سرعة التكيُّف مع التغيرات بالبيئة الخارجية.

2- أن تعمل دوماً على تعزيز قدرتها على التغير والتكيف.

3- أن تعمل على تطوير التعلُّم الجماعي والفردي بها.

4- أن تستخدم نتائج التعلُّم لتحقيق نتائج أفضل.

5- أن تعمل على زيادة قدرات العاملين بها وزيادة درجة التمكين لديهم.

6- أن تعي المنظمة أهمية إدارة المعرفة وتعمل على تطويرها وتحسينها وإدارتها بشكل أفضل.

7- الاستفادة من التجارب السابقة داخلياً وخارجياً.

8- استخدام التقنية لتعظيم الإنتاج والتعلُّم.

9- التنبؤ بالتغيرات المستقبلية والاستعداد لها.

وقد قامت الدكتورة إيمان أبو خضير بالبحث في هذا المفهوم، وأصدرت كتابها (التعلُّم التنظيمي والمنظمة المتعلمة.. اتجاهات إدارية حديثة لتطوير منظمات القرن الـ21)، وهو الكتاب الذي تم الاستناد إليه في كتابة هذا الموضوع، كما أن الدكتور عبدالله البريدي قام بتكليف طلاب الماجستير بجامعة القصيم بالبحث عن هذا المفهوم وإيضاح فوائد تطبيقه في منظماتنا الحكومية والخاصة؛ من أجل إحراز المزيد من النجاحات وتلافي السلبيات والأخطاء المتكررة الموجودة بمنظماتنا حالياً.

وقد حاولت إعطاء القارئ الكريم نبذة مختصرة عن هذا المفهوم؛ راجياً أن ينال ذلك استحسان الجميع، وتعمّ به الفائدة. ودمتم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد