لقد مضى زمن كان التنافس فيه بين الأمم بعدد السكان، أو الاتساع الجغرافي، أو بالثروة أو بالسلاح، وأصبحنا اليوم نعيش في عصر العلم، وصار التنافس بين العلماء سمة هذا العصر، وأصبحت كل أمة تقاس بما تقدمه من عطاء حضاري، وما يقدمه علماؤها من إسهامات تخدم البشرية.
وفي الآونة الأخيرة شهدت المملكة طفرة كبيرة في مجال العلم، فقد كان للرؤية المستقبلية لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- دور فعال في تحقيق هذا الرقي، فكانت رؤيته استشرافا لآفاق المستقبل ووعيا بما يقدم عليه العالم من تنافس علمي، فكانت سياسته الحكيمة، وتوجيهاته الواعية إلى حكومته الموقرة برعاية العلم والعلماء، فأنشأ الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية المتخصصة، وبذل، وما زال يبذل، كل غال ونفيس لنشر العلم على كل شبر من أرضنا الغالية، وشجع العلماء وأعلى شأنهم وثمن دورهم وإسهامهم للنهوض بالمملكة.
وقد آتت هذه الجهود أكلها وثمرها، فإذا بالجامعات السعودية تحتل المراتب الأولى بين الجامعات العربية، وأيضا في الشرق الأوسط، وهو ما يؤهلها أيضا للتقدم خطوات نحو العالمية، وهو مطلب ليس بعزيز أو صعب المنال، مادامت العزيمة قوية والرغبة صادقة، وما دام حب هذا الوطن الغالي يسري في دمائنا؛ فلن نألو جهدا أو ندخر وسعا في سبيل النهوض به للوصول إلى أعلى مكانة بين الأمم.
واتباعاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -أطال الله عمره- وتنفيذا لسياسته الحكيمة قام معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، يوم الخميس 6-2-1431هـ، بزيارة تفقدية للكلية الجامعية للطالبات بمحافظة الليث، صحبه فيها معالي نائب وزير التعليم العالي الدكتور علي العطية، ومعالي مدير جامعة أم القرى الدكتور وليد حسين أبو الفرج وثلة فاضلة من رجال التعليم العالي.
وكان من فطنة معاليه أنه اختار يوما ليس فيه دوام حتى يتسنى له أن يطلع بنفسه على حال الكلية وما وصلت إليه مبانيها ومعاملها وقاعاتها من ترد وضعف، بما لا يتفق مع ما تحتاج إليه العملية التعليمية من توافر إمكانيات، ووسائل تعليمية حتى تؤتي ثمرها، وتحقق الغاية منها.
وقد تبنت الوزارة الإشراف الكامل على مشروع إعادة تأهيل مبنى الكلية، وإقامة ملاحق إضافية تضمنت أكثر من عشرين قاعة دراسية ومعامل علمية مختلفة، وبتوجيه من معالي وزير التعليم العالي، ومتابعة وإشراف من نائبه معالي الدكتور علي العطية، أُزيلت كل العقبات التي يمكن أن تقف في سبيل النهوض بهذا الصرح التعليمي. وقد سار العمل على قدم وساق، ومتابعة دؤوبة ليل نهار من معالي الدكتور علي العطية، حتى ولد المبنى من جديد، وأصبح في زمن قياسي كالقصر المشيد.
إن من يأتي إلى الليث اليوم سيشعر أن هذا المبنى صار معلما من معالم المدينة، وسيرى الفرحة والسعادة على وجوه أهل الليث، ويسمع امتنانهم لتحقيق ما أثلج صدورهم، ولا نبالغ إذا قلنا إن الناس هنا ما زالوا يذكرون هذه الزيارة كما لو كانت يوم عيد للمدينة، بل سمعنا من يؤرخ بها؛ ففي حوارهم يسألون عما إذا كان هذا الحدث أو هذا الموضوع وقع قبل أو بعد زيارة معالي وزير التعليم العالي لليث؟ إن صنائع المعروف تبقى لأهلها، وخدمة الوطن والتضحية بالجهد والوقت والغالي والنفيس تحقق لصاحبها ذكرى عطرة تتناقلها الأجيال.
ولا نملك إلا أن نشيد بها، ونتوجه بخالص الشكر إلى صاحب الأيادي البيضاء خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الذي ضرب المثل لخدمة الوطن، وكان القدوة التي سار على نهجها كل أولئك الذين يحبون الوطن، وكان منهم معالي وزير التعليم العالي ونائبه الموقر وكل فريق العمل الذي ساهم في تحقيق السعادة لأهل الليث الذين هم نسيج من أهل هذا البلد الغالي، وهم يتطلعون، وقد رأوا الهمة العالية والعطاء الكريم، إلى مزيد من العطاء حتى يكون لديهم المؤسسات التعليمية الجامعية الكافية والمتنوعة بالليث، فيجتمع شمل الأسر، ولا يضطر أبناؤهم للتغرب، والمعاناة في أسفارهم والتعرض للمخاطر والحوادث، استجابة لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -أطال الله عمره- في هذا المجال، من ضرورة توفير سبل التعليم في كل شبر من أرضنا، وبذل المزيد من العطاء لتوفير الحياة الكريمة لكل أبناء المملكة، فهذا العطاء هو الذي يغرس في نفوس هؤلاء الشباب حب الوطن والانتماء إليه، والتضحية من أجله، وصدق المصطفى، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها».
المشرف على الكلية الجامعية للبنين بمحافظة الليث