الإنسان بطبعه يحبُّ المال حبّاً جمّاً، وكثير من الناس يقدم المال على نفسه، بل قد يصل بأن يهلك نفسه سواءً في دينه أو دنياه بسبب جشعه وطمعه في المال، ففي دينه بأن يجمع ويبحث عن أي وسيلة تؤدي إلى المال سواءً كانت حلالاً أو حراماً، فإذا وقع في الحرام كالمرابي أو بائع الخمر مثلاً فقد أخل بدينه وعصى ربه، وقد تصل به إلى كفره بالله عز وجل بسبب حبه للمال. وأما في دنياه بأن يؤدي جمع ماله إلى مرضه أو موته -لا سمح الله- وأيضاً قد ينفر من حوله من أحبابه سواء كانوا قريبين جداً كالأب والزوجة والأولاد أو أصدقائه وزملائه الذين معه بسبب هذا الطبع البغيض، وقد تؤول حاله إلى فقدان ماله كله أو بعضه بسبب عدم قناعته بالمال.. ولنضرب مثالاً بسيطاً وهو ما حدث قبل عدة سنوات في قضية الأسهم فمن كان لديه هذه الخصلة السيئة تراه قد حرص على أن يستثمر تلك الفرصة بأن باع كل ما يملك من بيته وسيارته وغيرها مما يملك بسبب طمعه بالمال، ثم كان ما كان فذهب كل ما يملك.. ونجد آخرين اقتنعوا بما عندهم فلم يضحوا بكل ما يملكون بل بجزء منه فلما هبطت الأسهم بقي بشيء عنده بعكس الأول الذي أضاع كل شيء عنده. وكذلك نجد آخرين لم يدخلوا في السوق أصلاً بسبب ما آتاهم الله من قناعة بما عندهم، وقد يقول قائل هذا ليس طمعاً وإنما الناس ليس عندهم ما يملكون فأرادوا أن يستثمروا هذه الفرصة ليحصلوا ولو شيء بسيط من المال.. أقول نعم ولكن ماذا يسمى من يبيع جميع ما يملك ليدخل به إلى السوق ليربح أكبر قدر ممكن ومن دخل بقليل من ماله وما ربح اقتنع بما جاءه أليس الأول تنطبق عليه هذه الصفة وهو أنه طماع والثاني نقول إنه قنوع، فانظروا إلى الطمع ماذا فعل بصاحبه في هذا المثال بأن أفقده كل ما يملك.
ثم بعد هذه الخصلة الذميمة أذكر الخصلة التي تقابلها في الحسن ألا وهي القناعة فالقناعة هي الرضا بما قسم الله تعالى للعبد، وعدم الحزن على ما فات من الدنيا وهي عكس الطمع تماماً وهي التي تحمي صاحبها في الدنيا ولا يكون مهموماً بجمع المال ولا إلى من، أين يأتي به وأين ذهب فيكون مرتاح البال، و تجعل صاحبه ذا خلق هادئاً حسن التعامل مع الناس بعكس الطماع، لأن الطماع إذا نقص من ماله شيئاً ازداد غضباً وبدأ بذم هذا وشتم هذا وشتان بين هذا وذاك.
أخيراً ها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يذكرنا بأهمية القناعة فيقول عليه السلام: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنَّعه اللّه بما آتاه» رواه مسلم.. وأيضاً لا ننسى أن القناعة كنز لا يفنى.