Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/04/2010 G Issue 13704
الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1431   العدد  13704
 
حديث المحبة
الترف الخطر القادم
إبراهيم بن سعد الماجد

 

اتفق العقلاء من البشر على أن الترف هو الطريق الأقصر لزوال النعمة، أياً كانت هذه النعمة، لأن في الترف صورة جلية من صور الجحود والتصرف اللامسؤول الناجم عن سوء إدارة النعم وتوظيفها.

يقول ابن خلدون في مقدمته: (إن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب،



وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة، والتهمتهم الأمم سواهم، فقد تبين أن الترف من عوائق الملك والله يؤتي ملكه من يشاء).

ولعل الناظر في تاريخ الأمم كافة يلحظ أن تأذن الزوال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بخلود الناس إلى النعيم والانغماس في الملذات، وترك ترقب الملمات، والاعتقاد بأن الله قد أتاك ما لا طاقة لأحد به نزعاً وبطشاً وتسلطاً.

وقد سجل التاريخ البشري شواهد هذه الدعة التي ركن إليها قوم، واستلذها آخرون فكان الزوال أقرب إليهم من شراك نعلهم، وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.

وعندما نقلب صفحات التاريخ ونستعرض صور المترفين على مر العصور وما آلت إليه أحوالهم فإننا لا نجد اختلافاً في الجوهر بين النتائج وكل حالة ترف تنسحب على حالات كثيرة في هذا العصر أيضاً، والتي كانت غالباً ما تؤول معها أحوال الأمم إلى الضياع والتفرق والتمزق، ونحن هنا لا نعني التمزق أو الزوال السياسي فحسب وإنما نعني أي تجمع وأي تفرق وتمزق يحصل لأي فئة من الناس والسياسة بالطبع جزء وليس كل.

والإغراق في الملذات مثلما جاءت الشريعة بذمه فقد ذمه العقلاء من خارج دائرة هذه الشريعة السمحاء، وقد يكون عقلاء الغرب أفضل بكثير من عقلاء المسلمين في إدراك عواقب الترف والتنعم والاستلذاذ بمتع الحياة، وكأنهم يعون قول الحق تبارك وتعالى في ذم هذا الخلق ?إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا? (27) سورة الإسراء، بل إن رعاية غير المسلمين للنعمة ظاهرة في كثير من مناحي حياتهم اليومية، بينما تهان النعم بأشكال وطرق مختلفة في بلاد المسلمين، على الرغم من وجود الكثير من المحتاجين والمعوزين وعلى بعد خطوات من هؤلاء المبذرين.

إن صور الترف في المجتمعات العربية والإسلامية أكثر من أن تحصى، بل لا نبالغ إذا قلنا إن انتعاش الكثير من الصناعات الغربية ما هو إلا نتيجة لهذا الخلل في العقلية العربية، ولو قدر لباحث أن يبحث في هذا الشأن لخرج بنتائج مذهلة بل مخزية.

ومن المفارقات العجيبة لدينا كعرب ومسلمين هذا التبذير والإسراف المتجاوز لحدود المنطق والعقل في الشأن الشخصي والملذات النفسية، بينما نجد تقتيراً وبخلاً وشحاً عندما يكون الأمر متعلقاً بتنمية العقل وبناء الوطن وخدمة الإنسان.

إننا مطالبون أكثر من ذي قبل بإعادة حساباتنا مع أنفسنا خدمة لأوطاننا وأهلنا قبل كل شيء، ورعاية لهذه النعمة التي يؤذن هذا الترف الزائد بزوالها وتحولها لغيرنا، فليس بيننا وبين الله نسبا.



almajd858@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد