Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/04/2010 G Issue 13704
الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1431   العدد  13704
 
الإستراتيجية الأمنية الأمريكية: أمغنم للعالم أم مغرم؟
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

هنالك استراتيجيات تتبعها الدولة، سواء أكانت استراتيجيات اقتصادية أم سياسية أم عسكرية، تكون مرتكزة على فلسفة فكرية ما، ومن ذلك الفلسفات الواقعية والمثالية والليبرالية. وقد تُبنى سياسة من السياسات ا لجيوستراتيجية على

واحدة أو أكثر من هذه الأفكار. ومن المعلوم تاريخيا أن ما يعرف ب(المبادئ الويلسونية)، نسبة إلى الرئيس الأمريكي الثامن والعشرين توماس ودورد ويلسون، ارتكزت على المثالية والليبرالية.

وبناء على هاتين الفكرتين الفلسفيتين، كانت أمريكا تحلم بأن تخترق (الديمقراطية) العديد من دول العالم وأممه، لاعتقاد منها أنها الوسيلة الفاعلة للتعايش مع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها. وانطلاقا من ذلك يمكن أن يتحقق الأمن الوطني لأمريكا ومن ثم التعايش السلمي العالمي. وبعبارة أخرى يرى المنظرون الأمريكيون أنه كلما كانت الشعوب الأخرى أكثر شبها بالشعب أو المجتمع الأمريكي، كلما كان ذلك في صالح شأنهم الأمني.

وهنالك موقف آخر يعتمد على (الواقعية) أو ما يعرف ب (المنحى الواقعي)، والمثال على ذلك السياسة التي اتبعتها أمريكا بناء على أفكار وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسنجر. ويسعى من يتبنى هذا المنحى إلى تحقيق التوازن بين الدول، ويشمل ذلك التوازنات العسكرية والاقتصادية والجيوستراتيجية، وصولا إلى هدف سامٍ، كما يقولون، ينتج مجتمعا يعمه السلام والطمأنينة! وبعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي تحولت السياسة الأمريكية، المبنية على المثالية - الليبرالية أحيانا وعلى الواقعية أحيانا أخرى، إلى سياسة تدخلية، اتبعت في فترة الرئيس كلينتون، لتحقيق الأهداف الويلسونية. وهنا يطرح السؤال التالي: كيف يتم اتباع سياسة غير مبنية على استراتيجية وغير منطلقة من مبادئ فكرية فلسفية معينة؟ أما المتخصصون في القضايا الجيوستراتيجية فميالون للمنحى (البراجماتي) الواقعي، ويطرحون سؤالا مثل: ما الخيار (ذو الطبيعة المستدامة) الذي على الإدارة الأمريكية اتباعه؟ ومثل هذين السؤالين، وغيرهما كثير، مطروحان في الساحة الأكاديمية في وقتنا هذا.

والمتابع لبعض الطروحات الأكاديمية يلحظ أن هنالك ما يعرف ب (الاستراتيجية الكبرى) التي تراجعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، ويفرض القانون الأمريكي نشر هذه الاستراتيجية بأسلوب مبسط، وفي خطوطها العريضة فقط، لعامة الناس ما بين فترة وأخرى. ولنا أن نسأل هنا: هل ثمة استراتيجيات، صغيرة أو كبيرة، لدى بقية دول العالم؟

والمتوقع أن يكون لكل دولة استراتيجيتها الأمنية المبنية على مبادئ ليتحقق لها الهيمنة والسلامة الداخلية والأمن لمواطنيها. وبمعنى مجمل، لابد أن تتحول تلكم المبادئ إلى أهداف تسعى إلى تحقيقها الدولة المعنية من أجل مصلحة الوطن ومواطنيه. وبشكل عام يجابه واضع أية جيواستراتيجية، تتصدى لمشكلات عالمية، بخيارين: أحدهما أن يكون لديه إجابات تقريبية لأسئلة كبيرة والآخر أن يكون لديه إجابات محددة لأسئلة صغيرة، وهناك من يفضل الخيار الأول على الثاني.

أما بالنسبة للجدل الداخلي بين الأحزاب السياسية، مثلما بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، فهنالك وفاق عام حول الاستراتيجية الأمنية الأمريكية، إلا أن وسائل تنفيذها فمسألة فيها خلاف. ونضرب مثالا على كيفية احتواء الاتحاد السوفييتي، إذا يفترق الحزبان بين مؤيد لسياسة ويلسون أو الأخذ بالسياسة الواقعية، أو المدرسة الواقعية. ولقد انتهجت الإدارات الأمريكية مؤخراً الاستراتيجية الأخيرة، مرسلة قواتها في مناطق النفوذ السوفييتي، في آسيا وأوروبا، وتمخض عن هذه السياسة إرسال مئات الألوف من الجنود في البر والبحر. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي استمرت أمريكا في إرسال جنودها إلى أنحاء مختلفة من العالم، ولكن بأعداد أقل، باستثناء ما أرسلته وترسله إلى الحربين العراقية والأفغانية. وتشكل الميزانية الحربية الأمريكية ما نسبته 4 في المائة من إنتاجها المحلي GDP، وهذه النسبة تمثل 1 في المائة من المنتج الوطني GNP عالميا. وللمقارنة، يذهب ما نسبته 2 في المائة من الناتج الوطني الأوروبي للميزانية العسكرية، ويشكل ما تصرفه اليابان على الدفاع 1 في المائة من منتجها الوطني.

ولقد أكد أحد الأكاديميين عدم جدوى خوض أمريكا حربين مثلما حصل في أفغانستان والعراق. ولقد كان الهدف من الأولى غزو القاعدة في عقر دارها، وكانت النتيجة، ولا تزال، أن خرج تنظيم القاعدة من أفغانستان وعشش في أماكن متعددة من العالم، وخلف وراءه مقاومة للحكومة التي تساندها أمريكا بقضها وقضيضها. وبالنسبة للعراق فقد غزته أمريكا وأطاحت بنظامه السابق، وتحاول غرس بذور للديمقراطية في مجتمع بالغ التعقيد من النواحي العرقية والدينية واللغوية والتوجهات السياسية والعقدية. وكانت النتيجة على المسرح العراقي أوضاعا يسودها التناقض والتناحر والخسائر المادية والبشرية، ولم يكن لما حصل في العراق علاقة بالأمن الوطني الأمريكي.

ومن المعلوم أن أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية أصبحت قوة عظمى، ولكن يجب ألا يعني ذلك التدخل العالمي عسكريا في كل صغيرة وكبيرة بمجرد شعور الدولة بالقوة والجبروت. وعندما يحصل ذلك يتحول الإعجاب والاحترام لمثل تلكم الدولة إلى احتقار وكراهية، ينتج عنهما مشكلات للدولة الكبرى ولمن يدور في فلكها. وفي نهاية المطاف يتأثر الأمن الوطني للدولة المتجبرة، التي كانت تحرص ألا يمس أمنها ابتداء. والقوة ليست أمرا مطلقا، إذ تتحول القوى مكانيا وزمنيا ومن مجال إلى آخر، فلقد شكلت الصين قوة اقتصادية في السنوات الأخيرة وأصبحت أمريكا مدينة لها من هذا الناحية بمبلغ وصل 800 بليون من الدولارات الأمريكية. فإذا كانت أمريكا تشكل قوة عسكرية فلقد أصبحت الصين تشكل قوة اقتصادية دولية، ويضاف إليها قوتان اقتصاديتان: الأوروبية والروسية. وسينتج عن ذلك قطبية اقتصادية متعددة، وتقلص للدور الأمريكي عالميا، وباختصار سيكون هنالك تغيرات كبيرة على الساحة الدولية.

ويعمل الشعور بالقوة العسكرية، التي تتربع على عرشها أمريكا، على إغرائها باستخدام تلكم القوة، ولن ينتج إيجابيات عن ذلك لدول العالم وسيكون ذلك عبئا على أمريكا نفسها. وأخيرا يمكن طرح تساؤل: أين الأمم المتحدة ومجلس الأمن اللذان كانا ولا يزالان من مهماتهما حل المشكلات الدولية وفض النزاعات؟ ولكن الدول المهيمنة تستخدم هذه المؤسسات الدولية لصالحها في كثير من الأحايين، كما أن بعض أعضاء المؤسسة الأممية لا تتقبل التدخلات الدولية بكل ألوانها وأشكالها على الرغم من الحاجة الماسة إليها، والأمثلة كثيرة ومتعددة ولربما أحتاج إلى تخصيص مقالة عن ذلك.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد