Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/04/2010 G Issue 13704
الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1431   العدد  13704
 
رقص الأقحوانة
طلاليون بكل فخر
محمد بن يحيى القحطاني

 

حتى توفي - رحمه الله - كان والدي يعشق طلال مداح صوتاً ومكانة، ولم يحدثني يوماً أنه أعجب بفنان العرب محمد عبده، بل كان من معارضيه جملة وتفصيلاً، وهي حقيقة الجيل الذي استمع أولاً لطلال مداح، ولم يرغبوا في تبديله، ولو كنت مكانهم لفعلت مثلما فعلوا لأن الناس أعداء ما جهلوه.

طلال مداح أعتبره (أبو الطربيين) وصوتهم الخاثر، وإن كان لنا طفرة فهو أحد رموز الطفرة الفنية في بلادي، ولعلنا جميعاً نسكن حنجرته مستمتعين بلتغته التي لن يباريها (طرب).

أعلم أن الاستماع لصوت طلال مداح (ترف) بحد ذاته، ومن لا يفعل ذلك فقد جعل نفسه في خانة من فاتهم شيء كثير، ولا مكان هنا أو هناك لمقارنته بأحد؛ فهو حالة إنسانية فنية.

طلال نهر الطرب الهادر، ما زال قادرا على الجريان حتى وإن حسبناه مات، فهو الامتداد الطبيعي بين آمالنا وواقعنا، وهو (الشعرة) التي بها نمسك طرف النغم ليروي الحياة، شاديا في التعبير عن المشاعر ومحتفظاً بالحلم وما بينهما، ويبقى سهوا ذائبا، وهو ويجيد بحنكة طربية سبك تفاؤلاتنا المتصلة بالمتلاطمات، كان ذكياً وهو يرمي لنا صوته مخبأ فيه هدايا وألعاب وأزهار فرشنا بها حدائقنا، ولم يعلم طلال حين كان يغني أنه يقتلنا، برحيله كأن الشعرة (قطعت).

ليس خفياً ولا مستحيلاً حين استطاع طلال مداح أن يُدهِشَ الغناء نفسه قبل إغوائه مستمعيه؛ كونه يمتلك صوتا استثنائيا يربطه بدم الكلمة واللحن في مسارها المعلوم والمجهول، التصق بالوطن وانحاز للإنسان وخطف الطرب وامتلك قلباً سكن الجميع فيه، وعبث حوله من عبث وهو يعلم.

في صوته الباذخ بالطرب يؤكد طلال فرد عضلاته طولا وعرضا، وفي أعماله وأنا مستمع لبعضها (الأجمل) أراه بأذني هادئاً بثقة مفرطة معتداً بصوته مرتكزاً على (قلبه).. طلال مداح لم يكن صوتاً.. كان قلباً يغني بين الحرية المفرطة بالتفاؤل والمجازفة باللعب بعواطف الطرب.

بعد رحيل طلال مداح علمت اليوم أن الحقيقة (كذب).



m.alqahtani@al-jazirah.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد