Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/04/2010 G Issue 13704
الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1431   العدد  13704
 
النخلة وأمننا الغذائي
فضل بن سعد البوعينين

 

التمور أحد أهم المحاصيل الزراعية في المملكة، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. اعتمد عليها الأباء والأجداد كمصدر من مصادر الغذاء الرئيسة. بعد مهاجمة أسراب الجراد مزارع النخيل وإتلاف محاصيلها، إبان الحرب العالمية الثانية، تعرض المواطنون لشح كبير في المواد التموينية الأساسية،

وأدى ذلك إلى تضخم الأسعار بشكل لافت. في أيام معدودات أمر الملك عبدالعزيز، رحمه الله، باستيراد كميات كبيرة من تمور العراق استقبلتها موانئ المنطقة الشرقية، ومنها ميناء الجبيل الصغير. استأجرت الحكومة أحواشا ومنازل متفرقة استخدمت كمستودعات خاصة، وبدأت في تقنين توزيعها على المواطنين عن طريق إمارات المدن. قضت التمور المستوردة على أزمة الغذاء المفاجئة، ونجحت في سد حاجات السكان الغذائية الأساسية.

بقيت أشجار النخيل محتفظة بمكانتها الخاصة، وكونها أحد مكونات الأمن الغذائي، وإن قل الاعتماد عليها كمصدر من مصادر الغذاء الرئيسة. أولت الحكومة عناية خاصة بالنخيل، ووضعتها ضمن خططها الزراعية الإستراتيجية، وكذلك فعل كثير من المواطنين، ممن حفظوا للنخلة مكانتها، وأدركوا أهميتها على المستويين الغذائي والاقتصادي.

ومثلما كانت النخيل عرضة لتهديد أسراب الجراد في ثلاثينيات القرن الماضي، فقد أصبحت هدفا لجحافل جيوش «سوسة النخيل الحمراء» التي باتت تمثل خطرا محدقا يهدد أمننا الغذائي في الوقت الحالي. «سوسة النخيل الحمراء» أشبه بالسرطان الذي يضرب أشجار النخيل المثمرة فيحيلها إلى أعجاز نخل خاوية. تلك الآفة المدمرة لا تتوقف عند تدمير النخلة المصابة بل تتجاوزها إلى باقي النخيل في محيط المزرعة الحاضنة، والمزارع المجاورة. نقل فسائل النخيل الموبوءة، إلى مناطق سليمة ساعد في انتشار الحشرة القاتلة في مناطق المملكة البعيدة. تدني مستوى الثقافة، والوعي بأضرار «سوسة النخيل» وطرق انتقالها، أدى إلى تفاقم المشكلة حتى أصبح أمر السيطرة عليها غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.

شركة «سابك» تبنت مسؤولية التوعية بأضرار سوسة النخيل الحمراء، وعقدت ورشة عمل متخصصة افتتحها سمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، رئيس مجلس إدارة سابك، وبحضور معالي وزير الزراعة، وبمشاركة حشد كبير من العلماء، الباحثين، والخبراء من مختلف دول العالم. مجموعة من العلماء قدموا ثمرة ما توصلوا إليه خلال سنوات من البحث والتقصي في مجال مكافحة «السوسة الحمراء».

يبدو أن سابك باتت أكثر ممارسة لمسؤولياتها الاجتماعية، وحرصا على تناول القضايا التنموية على أسس علمية، إضافة إلى تطوير مراكز البحث العلمي ذات العلاقة بالأمن الغذائي. تكامل ملحوظ بات ينشأ بين وزارة الزراعة وشركة سابك، خاصة في مجال البحث العلمي. مشروع تطوير الأسمدة الخاصة بالنخيل ربما يكون أحد المشروعات البحثية المهمة التي ستساعد في زيادة حجم إنتاج النخيل، وستقلل من كمية المياه المستخدمة في الري. سابك تبنت أيضا بعض المشروعات البحثية الزراعية المتخصصة التي يُرجى أن تُسهم في حل بعض المشكلات الزراعية، وأن تُساعد في زيادة حجم الإنتاج، وأن تحقق الأهداف التنموية الزراعية الطموحة.

أعتقد أن التكامل بين الوزارة والقطاع الخاص ما كان ليحدث لولا كفاءة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم، وزير الزراعة، وحرصه على مد جسور تكاملية مثمرة لمصلحة الوطن والمزارعين. يؤخذ على وزارة الزراعة بطئها في القضاء على «سوسة النخيل» رغم مرور أكثر من عشرين عاما على بدء المكافحة الفعلية، وهو البطء الذي ربما أرجعه البعض لبيروقراطية العمل الحكومي في التعامل مع الآفات، والأزمات بشكل عام. يشتكي بعض العاملين في فرق المكافحة من تدني مستوى الأجور، وقلة الأيدي العاملة المدربة، إضافة إلى الهدر في الميزانيات المخصصة لبرامج مكافحة الآفات.

عزيمة الوزير قد لا تعني شيئا في غياب حماسة المسؤولين والعاملين تجاه برامج المكافحة، وأخطر من ذلك، أن يعتقد بعض مسؤولي الوزارة بعدم جدوى بعض الإجراءات الوقائية، كالحجر الوقائي على سبيل المثال؛ عندها ربما وجد الوزير نفسه وحيدا أمام آفة «السوسة الحمراء» وسوسة التهاون في تنفيذ خطط المكافحة الطموحة!. أعجب من إيمان بعض رجال الأعمال بخطط الوزارة الوقائية رغم تكبدهم خسائر فادحة بسبب عدم تمكنهم من نقل، وبيع أشجار النخيل التي وضعت على أساسها دراسات جدوى مشاريعهم الزراعية، في الوقت الذي يشكك فيه بعض المسؤولين بكفاءة الإجراءات الوقائية المتبعة.

وأعجب أيضا من حرص بعض رجال المال والأعمال على حضور ورشة العمل المتخصصة في مكافحة سوسة النخيل، في الوقت الذي غاب عنها كثير من المختصين في الكليات الزراعية، وزارة الزراعة، وفرق المكافحة!!. الشيخ عبدالله بن سعد الراشد، كان أحد رجال الأعمال المهتمين بورشة العمل، والحريصين على التواصل مع العلماء، الباحثين، والخبراء، وتكريمهم. ربما كانت علاقة الشيخ الراشد الغريزية بالنخلة دافعا لتبنيه المواقف الداعمة لورشة العمل، والمشاركين فيها، إلا أن العلاقة الوطنية والفكرية، والإيمان بالمسؤولية الاجتماعية، ربما كان الدافع الأهم، والمحرك الرئيس.

«سوسة النخيل الحمراء» تحتاج إلى خطة وطنية شاملة، يمكن من خلالها تحقيق هدف القضاء على الجزء الأكبر من المشكلة، على أساس أن القضاء الكلي عليها ربما كان مستحيلا في الوقت الحالي. وزارة الزراعة قامت بجهود كبيرة لمواجهة هذه الآفة الخطرة، إلا أن ثقافة المجتمع، المزارعين، المسؤولين، الإعلاميين، ورجال الأمن، وإلمامهم بمسؤولياتهم الوطنية في دعم جهود الوزارة، وتبنيهم الخطط الوقائية، والعلاجية ربما تكون حجر الزاوية الأهم في خطط المكافحة الإستراتيجية. تضافر الجهود، العمل بروح الفريق الواحد، ومواصلة العمل بوتيرة متصاعدة وليس العكس، قياس الأداء، الرقابة المالية، ومحاسبة المقصرين، واستبعاد كل من لا يؤمن بخطط الوزارة، وتبني تثقيف، وتدريب العاملين في فرق المكافحة من خلال زيادة الأجور، ووضع برنامج لمكافأة العمالة القادرة على كشف الإصابات، وعلاجها، وجمع الحشرات في المزارع المصابة هو ما تحتاجه الخطط الطموحة الموجهة للقضاء على آفة «سوسة النخيل الحمراء».

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد