Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/04/2010 G Issue 13706
الخميس 23 ربيع الثاني 1431   العدد  13706
 
فيض الضمير
درس كبير في خبر صغير عارضة الأزياء الماليزية التي شربت الخمر...!
د. محمد أبو بكر حميد

 

أكثر من يهمني البحث عنه أثناء تصفح الصحف اليومية، تلك الأخبار الصغيرة التي لا يهتم المحرر بإبرازها أو إنزالها منزلتها، لأنني أجد في بعض هذه الأخبار الصغيرة معاني كبيرة ذات دلالة نستحق الوقوف عندها وتأملها وتحليلها.

وقد وقفت هذا الأسبوع على خبر صغير لم يُنشر إلا في صحيفة واحدة أو صحيفتين عنوانه (عارضة ماليزية تنجو من عقوبة الجلد) ومفاده أن سلطات ماليزيا أعفت عارضة الأزياء كارتيكا سياري دوي سوكارنو من عقوبة الجلد بعد أن ضُبطت تشرب الخمر في منتجع على البحر في ديسمبر 2007م، وتقديراً لظروفها الاجتماعية والإنسانية فهي أم لطفلين أبلغها مجلس الثقافة الماليزية الإسلامية بقرار السلطان استبدال عقوبة الجلد بأداء خدمة اجتماعية مجانية، هذا مفاد الخبر الذي نشرته صحيفة (ماليزيا ستار) في 1-4-2010م ونقلته عنها الصحافة المحلية.

والمتوقع أن يُنشر مع خبر عن عارضة أزياء إحدى لقطات عرضها للأزياء، لكن الصورة التي نُشرت كانت لامرأة ترتدي كامل اللباس الشرعي للمسلمة المحتشمة، ثوب فضفاض لا ضيق ولا لاصق بجسدها(؟!) وحجاب يغطي كل شيء من شعرها (لم تتعمد إظهار عينة منه على جبينها كما يفعل بعضهن في بلادنا العربية وعلى وجهها (الخالي من المساحيق والألوان) ابتسامة مُضيئة وتلوح بيدها بالسلام(!!)

لقد أكثرنا الحديث عن الإعجاب بالتجربة الاقتصادية الماليزية دون التوقف عند خلفيات وحيثيات هذه التجربة، والحقيقة - في رأيي - كما تحدث بها مهاتير محمد صانع هذه التجربة العملاقة، إن ماليزيا اهتمت في الأساس بصناعة الإنسان المسلم وبزرع القيم الخلقية الإسلامية فيه، ثم اهتمت بإنشاء دولة يكون الإسلام مصدر تشريعاتها، فكانت سيادة القانون هي سيادة الروح الإسلامية على الجميع من مسلمين وغير مسلمين، إذ إن في القانون الإسلامي من السعة والعدل الشامل والرحمة والتسامح ما يجعل منه قانوناً عالمياً إنسانياً للبشرية كلها، فالله قد أعلن من فوق سبع سماوات أنه رب العالمين وليس رب المسلمين وحدهم.

من وحي هذا الضمير المسلم الواعي انطلقت التجربة الماليزية وضعت هذا العملاق الاقتصادي الذي هو نتاج التجربة الماليزية الإسلامية المستنيرة بكل أبعادها الاجتماعية والإنسانية التي جعلت من هذا البلد محطة ترحال وإعجاب لكل طوائف البشر.

وبتأمل هذا الخبر الصغير والدرس الذي يمكن أن نخرج به من قصة عقوبة عارضة الأزياء يتمثل فيما يلي:

أولاً: كان بإمكان ماليزيا أن تتحلل من تطبيق أنظمة الشريعة الإسلامية في الأمور التي يصعب حصرها أو تحديدها مثل شرب الخمر بصفتها دولة سياحية يؤمها البشر من كل الأجناس والأديان، وهو أمر تتحلل به بعض الدول العربية بالتجاوز عن المحرمات الإسلامية في أماكن معينة من بلادها بحجة أنها أماكن سياحية مع أن الواقع يقول إن ما يصل إلى ماليزيا من السياح الأجانب عشرات أضعاف ما يصل إلى تلك البلدان العربية المسلمة!! والمرأة الماليزية التي تم ضبطها بشرب الخمر كان في منتجع على البحر وهو مكان سياحي في نظر أصحاب المبررات السياحية، ومكان عام من وجهة النظر الإسلامية التي تحكم ماليزيا، والمجاهرة بالمعاصي في الإسلام تستوجب العقوبة إلا من استتر عملاً بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (كلكم مُعافى إلا المجاهرون).

ثانياً: إن نشر صورة عارضة الأزياء الماليزية بلباسها الشرعي الإسلامي المحتشم مرفقاً بخبر استبدال عقوبة الجلد بخدمة المجتمع يحمل دلالة عميقة على مدى وعي السلطة الماليزية بالأبعاد الأخلاقية للشريعة الإسلامية التي تعطي العناية الأكبر لوسائل تربية المسلم المخطئ وتوظيف إمكاناته لخدمة المجتمع إذا ما أبدى استجابة للمناصحة ورغبة في التوبة، وظهور صورة هذه المرأة بهذا الشكل الذي يدعونا إلى احترامها أكبر دليل على ذلك، هذا ما يقتضيه الشرع وهو الحكم على ظاهر المسلم، وقبول ذلك منه إذا تاب ما لم يصر على المجاهرة. أما الباطن فعلمه وحكمه عند الله وحده الذي لا يملك محاسبة عباده على ما يبطنون أحد سواه سبحانه.

محطة

فلترحم السماء من لم ترحمه فتنة النساء!!



hemaid1425@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد