Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/04/2010 G Issue 13706
الخميس 23 ربيع الثاني 1431   العدد  13706
 
التعليم وعقوق الوالدين
مهدي العبار العنزي

 

جزاء سنمار مثل عربي قديم يُضرب عندما يقوم الإنسان بأعمال جليلة تستحق التكريم والثناء ويكون جزاؤه عكس ذلك تماماً. فسنمار مهندس بارع قام بتصميم وبناء قصر كبير للنعمان. وبعد أن سلّم القصر لصاحبه، دار حديث بينهما عن أسرار تتعلّق بالبناء والأساسات، وكان هذا المهندس ينتظر من النعمان التكريم والعطاء، ولكن المفاجأة أنّ الأخير طلب من مجموعة من العمال بأخذ المهندس إلى سطح القصر وألقوا به أرضاً وفارق الحياة. وهناك مثل شعبي قديم بعنوان (جزاء المغربي لابن طلفاح). فابن طلفاح يعيش في البادية وذات يوم شاهد رجلاً ملقى على الأرض بين الحياة والموت وأخذه إلى بيته، وبدأ يعالجه من مرض الجدري حتى شفي تماماً وأخذ سيف مضيفه، وقال يا ابن طلفاح أنا من بلاد المغرب وسأذهب إلى أهلي ولكنني سأقتلك، قال له ابن طلفاح هل هذا جزائي أنقذتك من الموت، قال المغربي لو قدمت لك كل أموال الدنيا لا تفي بحقك، ولكنني قررت قتلك لأتحمل كل ذنوبك وتدخل الجنة وأنا أذهب إلى الجحيم، عندها تخلّص ابن طلفاح بأعجوبة وهناك رواية تقول بأنه قتل.

إنّ الأمثال لم تضرب جزافاً، وإنّ قصة سنمار وابن طلفاح تعود مجدداً إلى المجتمع وتمارس فعلياً من بعض الذين تنكّروا أو غدروا، وأصبح تفكيرهم وسلوكياتهم وأخلاقياتهم تتمثّل بالعقوق والتنكُّر والجحود، فكثير هم أولئك الذين يعقّون والديهم، متجاهلين كل التضحيات التي قدّمها الأب وقدّمتها الأم منذ كان في بطنها، والمعاناة الكبيرة التي كانت تحملها حتى أنجبته، قال تعالى {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (15) سورة الأحقاف. لقد كانت هذه المسكينة تمني النفس بأن تكون أماً ويأتي لها ولد يبرّ بها، وكذلك الوالد الذي يطمح أن يكون أباً لأبناء صالحين وتكوين أسرة تخدم العقيدة والوطن، يحاول جاهداً تنمية شخصيات الأبناء حتى يكونوا مؤهّلين للاشتراك في حياة المجتمع، مما يؤدي إلى تكاملهم وغرس مشاعر الرحمة وتحقيق الترابط والتراحم بينه وبين أبنائه، وحتى يكونوا مفاتيح خير لا مفاتيح شر وباءت محاولاته بالفشل.

إنّ حكاية سنمار وصويحبه ابن طلفاح تنطبق أيضاً على من تنكّروا للوطن الذي احتواهم وحماهم، وقدم لهم الخير وقدموا له الشر والجحود وعدم الوفاء والولاء. من هنا لا بد أن نؤكد على أهمية التربية والتعليم وغرس القيم والمثل العليا في نفوس الناشئة، وتعميق الجانب الإيماني والروحي في نفوسهم، وإيجاد المنهج المتكامل الذي يهدف إلى إيجاد الشخصية المتحلِّية بأخلاق المسلم الحقيقي، وهذا هو دور التعليم في توضيح الصورة أمام التلاميذ، وترسيخ مفهوم بر الوالدين في أعماقهم وعقولهم منذ نعومة أظفارهم، لأنّ المناهج الحالية لم تصل إلى الأهداف التي يتمناها كل أب وكل أم في هذا الجانب، وكذلك حب الوطن والتضحية من أجله واعتباره فوق كل اعتبار.

لقد ذهبت آمال الآباء والأمهات أدراج الرياح، ولم يعلم شباب المستقبل أنّ الجنة تحت أقدام الأمهات ولا زال الوطن يعاني من تنكُّر وجحود بعض أبنائه .. فهل يستحق الآباء والأمهات والوطن جزاء سنمار وجزاء ابن طلفاح؟

***




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد