Al Jazirah NewsPaper Monday  12/04/2010 G Issue 13710
الأثنين 27 ربيع الثاني 1431   العدد  13710
 
إلى الأمام
اغتراب العربية في عقر دارها (1 من 3)
د. جاسر عبد الله الحربش

 

اللغة العربية ولدت في اليمن وراهقت في صحراء الجزيرة وتبغددت في العراق وتعلمت الرقص والدوران في الشام واكتنزت لحماً وشحماً في وادي النيل وتبربرت في المغرب الأقصى وفي موريتانيا بدأت تسترد أنفاسها.

تأملات شخصية

في كتاب صغير الحجم عظيم القيمة للأستاذ الفاضل الدكتور راشد المبارك تأصيل شرعي وتاريخي واجتماعي لثلاث من قضايا المجتمع السعودي. اسم الكتاب: من قضايا المجتمع السعودي، والقضايا هي موقفنا من المرأة ومن المخالف ومن لغتنا.

أتمنى لو يدرس هذا الكتاب كنشاط لا صفي في المرحلة الثانوية، أما القراء فأوصيهم بقراءته.

القضية التي أنوي التطرق إليها هنا هي موقفنا من لغتنا، وبصراحة أكبر قضية اغتراب اللغة العربية التدريجي في جزيرة العرب.

اعتقد أننا حالياً نعيش في مجتمع لا يكترث كثيراً للمكونات الجوهرية للحياة فيما وراء المأكل والمشرب واللهو والتكاثر.

نحن نعاير الحضارات الأخرى بتوجهها المادي وازورارها عن الروح والروحانيات ونقول إنها حضارات استهلاكية لا تعنى كثيراً بما وراء المادة والجسد. الواقع أن هذا ادعاء ضخم جداً يصدر من مجتمعات ليس لها في حاضرها من الاهتمامات الروحانية سوى تزكية النفس من خلال الادعاء على الآخرين على منوال حامض يا عنب.

إن تكوين الإنسان المادي (الجسد) منظور بالعين ومرصود بآليات الرسم والتصوير والتشريح، وما نعرف عنه حتى الآن هو أنه مجرد ناقل للروح ومنفذ لغرائزها ونزعاتها وما تبديه وما تخفيه، لكن ما هو ذلك اللا شيء داخل الجسد الذي يجعل الإنسان يحب ويبغض وينفر وينجذب ويفرح ويحزن ويطفو بليداً على السطح أحياناً ويغوص متأملاً في نفسه وفي الكون والحياة والموت أحياناً أخرى؟

يعبر الجسد عن نفسه بالحركة العنيفة أو الهادئة حسب الهدف من الحركة، وهو حتى في ذلك يخضع لمتطلبات الروح وينفذ أوامرها.. لكن ماذا تفعل الروح وكيف تعبر؟

إنها تعبر عن نفسها بما لا يحصى من الطرق والوسائل ومنها الغناء والرقص والعزف والرسم والإشارة وهذه كلها مجرد تفاصيل في لغة الروح، لكن الأصل في التعبير هو الكلام، والكلام لا يستطيع التعبير بصفاء وعمق عن الروح حتى يكون أصل نبتته مبذور في التكوين الجنيني للفرد.. إذاً هنا بدأت أتكلم عن اللغة الأم، وأقصد بالطبع اللغة العربية فيما يخص العرب، وعلى الأخص في الجزيرة العربية لأنها منبت اللغة العربية ومهدها الأول.. اللغة الأم لأي جنس بشري تشكل عمقاً انتمائياً لا تكتمل مواصفات وقدرات الإنسان التعبيرية إلا به، وبذلك يزيد الانتماء للوطن بزيادة المحتوى اللغوي الأصلي وينقص بنقصانه تماماً مثل ما يزيد الإيمان بالطاعة وينقص بالمعصية.

بهذا المعنى أزعم أن ضحالة اللغة الأم في مجتمع ما تعني بالضرورة ضحالة محتواه الروحي والفكري كتجمع بشري.

وبما أنني قلت منذ البداية إن اهتماماتنا الروحية حالياً مصابة بالضمور المؤدي ضمناً إلى اغتراب اللغة فإنني أكون قد ألزمت نفسي بتوضيح بعض المؤشرات على ذلك، وليكن التوضيح في الحلقة القادمة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد