Al Jazirah NewsPaper Monday  12/04/2010 G Issue 13710
الأثنين 27 ربيع الثاني 1431   العدد  13710
 
ابحثي عن الزوج المناسب
فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري

 

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) الحديث.

والذي يظهر لي أن المراد بالدين هنا هو الخلق، وإن هذا من ترادف الكلمات، والمراد فيها التأكيد على الخلق، أو الدين بمعناه العام، إذ الدين هو الخلق لقوله تعالى {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} (الشعراء: 137).

ومعناه (دين الأولين) والدين المعاملة، وهو هنا أشمل من أن يكون محصوراً في صلاة وصيام، أو المظهر الخارجي من إعفاء اللحية أو رفع الثوب.. إلخ.

الدين هو الخلق المتمثل في التعامل كالصدق والأمانة، والحياء وبذل الخير، ورد الجميل ونحو ذلك.

في نظري أن اختيار الزوج المناسب، أو الموافقة عليه يتطلب معرفة أخلاقه أي أمانته وصدقه وحيائه، بحيث لا يقتصر السؤال والبحث عن صلاته في المسجد مثلاً، لأن بعضهم قد يصلي ولكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فهو يصلي ويكذب، يصلي ويتعاطى المسكر أو المنكر، يصلي ويخون، يصلي ولكنه يفعل الزنا، فهو ليس بالأمين على عورات الناس، يصلي أمام الناس في المسجد، ويغدر ويكذب، ويغتب وينم ويزور، ويفرق بين الناس.. إلخ.

والنبي صلى الله عليه وسلم عُرف أول ما عرف بالصدق والأمانة قبل أن يكون نبياً مصلياً، أو راكعاً وساجداً، اشتهر بالحياء، لم تر له عورة، يحب المعروف ويكره المنكر أو المسكر، يستر على الآخرين، كانت أخلاقه حميدة، قبل أن يكون معلماً، أو واعظاً ونبياً، ولما سئلت عائشة عنه، قالت: كان خلقه القرآن.

فهل بعض المصلين اليوم كذلك!، لا أظن ذلك كذلك، بعضهم أخلاقه رديئة في التعامل مع الآخرين، فهو لا يستر العورة، ولا يغفر الزلة، ولا يقبل الاعتذار، ويكشف الأسرار، ويقع في الأعراض، وتذكرني ضرورة الأمانة في الخاطب، بنت الرجل الصالح عندما ألمحت إلى هذا المعنى في قولها لأبيه: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26).

فقولها الأمين: أي أنه الخلق الأهم، فكأنها تخطب موسى لنفسها لأمانته.

إن الرجل أو الشاب الأنسب في نظري الذي ينبغي أن يزوج، بل ويبحث عنه ابتداء لبنت الواحد منا أو أخته، إن الأنسب في نظري من تخلق بالأمانة والحياء، وحفظ نفسه من الفحشاء والمنكر، المتمثلة اليوم في المخدرات أو المسكرات ونحوهما، أو الفحش في قوله أو عمله، والاستقامة لها جوهر يتجلى في الأمانة والحياء، وليس في المظهر من لحية أو ثوب قصير، أو صلاة لا تنهى عن ما يضادها، ولأن الحياء جوهر افتقده كثير من المصلين، أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال الرجل: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).

أقول ليس عيباً أن يبحث الأب أو الأخ، أو ولي الأمر أياً كان، ليس عيباً أن يبحث عن زوج صالح لابنته أو اخته، لأن بعض البيوت قد لا يطرق بابها أحد من الخطّاب أو الشباب، فتظل البنت أو المرأة المسكينة تنتظر حظها العاثر!!، متى يا ترى سوف أتزوج؟، متى سيطرق بابنا أحد من الشباب؟ فقد لا يطُرق الباب!، ولا يأتي الخاطب! لأسباب كثيرة، منها عدم معرفة الشباب بها، أو خوف بعضهم من عدم موافقتها، أو وليها أو غير ذلك من الأسباب..

ومنها يتأكد ما أكدته في محاضرات ألقيتها من ضرورة أن يبحث ولي البنت للبنت عن الزوج الصالح، وقدوته في ذلك تلك المرأة التي خلدها لا أقول التاريخ! ولكنه القرآن! عندما قالت لأبيها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26)، ثم تزوج بها موسى بن عمران نبي الله فأصبحت زوجته وأم أولاده، ودخلت بعد ذلك حياة عظيمة مع رجل عظيم، وتاريخ حافل بالعطاء والظهور والتألق، وهي عندما خطبته، خطبته عن فقر وغربة، وكربة، فهو مطارد وغريب وفقير ومطلوب أمنياً، قد ارتكب جريمة قتل غير مقصودة، ولكنها خطبته لأمانته ونزاهته، فخرجت بسببه بعد ذلك من الذلة إلى العزة، ومن الضعف إلى القوة ومن الظلمات إلى النور، فهل بناتنا كذلك؟ أرجو ذلك.

وقل ذلك في: عمر بن الخطاب عندما أخذ يبحث لابنته حفصة عن زوج، فعرضها على أبي بكر فسكت، ثم على عثمان فرفض، حيث إنها أيم، فحزن عمر لذلك، حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت عند من هو خير لها من أبي بكر أو عثمان، أو أي رجل كائناً من كان، فأصبحت أماً للمؤمنين، وأبوها عمر، لم يدر في خلده أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بذل سبباً، فتح الله له به طريقاً إلى أفضل زوج لابنته، فليس عيباً أن يبحث الأب لابنته عن الشاب الخلوق، بغض النظر عن وضعه المالي أو الاجتماعي، أو حتى الصحي، فإن الغني قد يفتقر، والصحيح قد يمرض، والعزيز قد يذل، كم من زوج غني أصبح فقيراً، وكم من زوج صحيح أصبح مريضاً، والتاريخ حافل بذلك.

وختاماً وصيتي لنفسي وإخواني وأخواتي المبادرة في البحث عن الزوج الصالح إن تأخر مجيؤه، واختيار الأمين من الشباب ولا عبرة بالمظاهر الخداعة، وأن يكون التحري عن الخاطب، عن طريق من يعاشرونه أو يساكنونه، أو يسافرون معه، أو يبايعونه، ويصدقون في تقويمه، وأن يكونوا من العقلاء المعتدلين فلعل عاقلاً في رأيه سعادة الزوجين، هو خير لهما من رأي واعظ أو متنسك أو حتى إمام مسجد، وإياك ورأي بعض قرنائه أو منافسيه، فالحسد وارد، والشيطان حاضر، وإمام المسجد قد لا ينقل واقعاً متكاملاً في نظري.

مدير إدارة الأوقاف بمحافظة المجمعة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد