Al Jazirah NewsPaper Friday  16/04/2010 G Issue 13714
الجمعة 02 جمادى الأول 1431   العدد  13714
 
أوتار
طلب إعفاء
د. موسى بن عيسى العويس

 

إذا أردت أن تعرف حقيقة الكرسي، أو المنصب، فانطلق من بعض الرؤى والأفكار التقدمية للدكتور (غازي القصيبي)، وهو يتحدث عنها بكل بساطة، وعفوية، وتلقائية، وثقة، في أكثر من وسيلة إعلامية، بوصف هذا الرجل قد تعاطى مع كثير من المهام في أماكن، وأزمان، وظروف مختلفة، وخرج منها بحكمة وخبرة وحنكة قلّ أن تتوافر في غيره من رجالات الدولة، وأبنائها المخلصين. قطعاً ستشعر حينئذ بتغير كبير في طريقة تفكيرك، وتعاطيك مع المواقف والعمل، والحياة بشكل عام.

* في العقد الأخير، وبعد أن أصبحنا أكثر انفتاحاً على الغير، وإدراكاً للمسؤوليات الملقاة على عواتقنا، بدأنا وببطء شديد نستسيغ مصداقية طلب الإحالة من الموظف أو المسؤول قبل أن تحيله الأيام عن ركابها، وتتخلى عنه. بدأنا بالفعل نقدر تلك الشخصيات الفذّة التي تنازلت عن عروشها، وتناست الوجاهة، وتخلّت عن البهارج في سبيل مصلحة الوطن، وفي سبيل مصلحة المجتمع. أصبحنا في الحقيقة نكن لها في نفوسنا أعظم التقدير، وأجل الاحترام على خطواتها التي تخطوها، وقراراتها الصعبة التي تتخذها.

* المسؤول، وهو يطلب إعفاءه وإقالته من منصبه، يكون في الغالب مدفوعاً بعدة عوامل: ضخامة في الجهاز الذي يتعامل معه، وشعوره بعدم الوفاء بمتطلبات المهنة ومشكلاتها، أو لظروف اجتماعية وصحية طارئة، يصعب معها تحمل المسؤوليات، وإدارة دفة الأمور كما ينبغي. وفئة أخرى: لا تتفق أهدافه، ولا تتماشى قيمه وسلوكياته مع بيئة العمل، والظروف المحيطة بها، والقوى الخفية ذات النفوذ الكبير في صنع القرار، ولذا يلتمس أقرب الطرق، ويتحيّن أدنى الفرص للنجاة والخلاص. وصنف ثالث: يرى أن قدراته، ومواهبه، وإمكاناته، ومؤهلاته تقل عن طموح المؤسسة، ولا تواكب التغيير والتطوير المنشود، فتؤثر غيرها على نفسها في مثل هذه الأحوال. وربما يشعر البعض من هذه الفئات أنه قدّم عصارة رأيه وفكره وخبرته، ويحاول بنفسه لا بواسطة غيره تقديم الفرص للآخرين، كي يكملوا مسيرة هذه المؤسسة، أو تلك المنظمة.

* في كل الحالات والأوجه يكون المسؤول حكَّم ضميره بتجرّد، واستشار عقله بتروًّ تام، وقدّم المصلحة العامة على الخاصة، بعيداً عن كل المؤثرات الاجتماعية. وفي مثل هذه المواقف الشجاعة تتجلى الوطنية في أسمى صورها، ويتجسد الإخلاص في أرقى معانيه، ونقدم للأجيال القادمة من حيث لا نشعر دروساً وطنية واجتماعية حيّة، جديرة بالمحاكاة.

* مثل هذه الشخصيات، أو القيادات النادرة في سلوكها بيننا، هي التي وحدها قادرة على تغيير ثقافة المجتمع، والرقي به إلى معارج الكمال. ومثل هذه النماذج الفريدة جديرة في الواقع أن تتواصل معها المؤسسات الرسمية من أعلى مستوياتها، لا أن تتركه تندثر أمام عوامل الزمن.



dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد