Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/04/2010 G Issue 13716
الأحد 04 جمادى الأول 1431   العدد  13716
 
فراقك حزن يا شمعة الطاسان
منصور بن محمد الحمود

 

ودعت محافظة الرس في يوم الخميس الموافق السابع والعشرين من شهر صفر الماضي الشاب (حمد بن موسى الطاسان) الذي لم يتجاوز الأربعين عاماً، والذي لقي وجه ربه بعد معاناة مع المرض في الفترة الأخيرة وكان لفقده ألم وحزن لمحبة الناس له فهو بحق يعتبر من الشباب الملتزم المواظب على واجباته الدينية منذ صغره. وكان الفقيد حمد (نحسبه والله حسيبه) من خيرة الشباب الذين لهم جهود خيرية في مجالات متعددة، وخصوصاً مساعدة المحتاجين من خلال مكتبته المعروفة (القرطاسية)، وكان ينتهج طريقة يتميز بها عن غيره من حيث التيسير والتسهيل على رواد المكتبة، وخصوصاً المحتاجين منهم، بعمل عروض ميسرة وتخصيص بطاقات مجانية للمشترين دون دفع أي مبالغ، وهو ما يقوم به مع بداية كل فصل دراسي وبطريقته تلك - بارك الله له - كان له سعة الرزق وزيادة المال، كما لا ننسى مساهماته ودعمه لمشاريع الخير وخاصة في شهر رمضان المبارك في مشروعه السنوي في إفطار صائم في جوامع الرس وهو من أوائل الداعمين لهذه المشاريع وكانت آماله كثيرة في المستقبل لعمل المزيد في أي مشروع خيري ليكون موعده المحتوم في ساعة وداعه لهذه الدنيا وهو ما زال قلبه معلقاً بحب الخير والعطف على الفقراء والمساكين ليختاره الله إلى جواره ويكتب له بمشيئة تعالى العمل الصالح الذي يبقى له عند لقاء ربه ونحن مع ذلك نؤمن إيماناً كاملاً بقضاء الله وقدره وأن كل إنسان له نهاية، ولابد أن يودع هذه الحياة إلى الدار الآخرة.. نسأله تعالى القبول وحسن الختام وفقيدنا الغالي ودع هذه الدنيا وهو في عز شبابه نسأل المولى عز وجل أن يعوضه خيراً وأن يسكنه فسيح جناته وأن يثبته عند السؤال وأن يجزل له الأجر والمثوبة لكل ما أصابه من مرض ونصب، كما أن الفقيد طوال فترة مرضه يستقبل زواره ويرحب بهم وكنت من ضمن من يقوم بزيارته في منزل والده رحمه الله، وكان يعتمد بعد الله في علاجه على الرقية من الكتاب والسنة، وغالباً ما تجد عنده أحد المشايخ الذي يرقيه في بعض الأوقات مما يخفف عنه المرض الذي عانى منه كثيراً ومع شدة مرضه كان يقابلك بابتسامته المعروفة وتواضعه وحبه لكل من يقابله ولسانه دائماً يلهج بذكر الله والدعاء للمولى عز وجل أن يكتب الله له الأجر والمثوبة، كيف لا وهو من نشأ على طاعة الله منذ صغره على يد والده الشيخ موسى الطاسان - رحمه الله -، والذي يعتبر بحد ذاته مدرسة لكل الأجيال، وهو ممن لازم الذكر والدعاء والمواظبة على الصلاة وقراءة القرآن والصدقة وصلة الأرحام. ولقد حدثني بهذه المناسبة إمام مسجده في حي الزاملية الشيخ (علي بن محمد الدهامي) عن والد الفقيد الشيخ موسى الطاسان - يرحمه الله - عن المنهجية التي يقوم بها في تربية أبنائه وحرصه على تربيتهم منذ الصغر والمواظبة على واجباتهم الدينية والدنيوية، وقال: كان رحمه الله شديد الحرص على أن يؤدي جميع أولاده الصلاة مع الجماعة فكان إذا سلم يلتفت مباشرة يمنة ويسرة وإلى الخلف يتفقد أبناءه ولضعف نظره كان يركز بالنظر بتلك النظارة المقعرة الغليظة فمن كان ليس من جماعة المسجد يظن أنه يحب الاستطلاع والفضول وكان يقول لي: تأخر بصلاة الفجر قليلاً حتى يكون وقت لإيقاظ الأولاد. كان إذا صلى العصر في رمضان جلس في مصلاه يقرأ القرآن حتى قبيل غروب الشمس وكانت قراءته متأنية يتلذذ بالقرآن حتى أنه ينسى نفسه فيحرك يديه وهو يقرأ والمصحف على الحامل أو في حجره فمثلاً إذا قرأ قوله تعالى: {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} جمع أصابع يده إشارة إلى التقليل، وإذا قرأ (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) يشيره بيده إلى المكان البعيد والقريب، وما كان هذا عن تمثيل أو تقليد لأحد، إنما كان يأتي عفوياً لاستغراقه في القراءة، وكان - رحمه الله - يردد كثيراً في آخر عمره: نحن منتهون؛ قد أخذنا حقنا من الدنيا، ونسأل الله حسن الخاتمة.

توفي موسى رحمه الله وقد خلف من بعده ذرية كان أشبههم بأبيهم في الاستقامة والخلق ابنه (حمد) رحمه الله، الذي يعتبر منذ صغره من جماعة المسجد، وكنت أحياناً أنيبه إذا غبت عن المسجد في الصلاة بالجماعة، وكان رحمه الله من حين نشأته وهو على استقامة وصلاح، هكذا أحسبه والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً، وكان محافظاً على الصلاة باراً بوالديه بل يضرب به المثل ببره بوالدته أطال الله في عمرها وهو صاحب خلق حسن وعند المواقف الصعبة قل من يقف موقفه، لقد رحل هذا الرجل عن هذه الدنيا يوم الخميس 27-2-1431هـ، بعد أن مرض مرضاً شديداً لا تسمع منه في حينه إلا حمد الله والرجاء فيه، رحل وما زال إطعام الطعام للفقراء والمساكين قائماً عند جامع السوق منذ ابتدأه في العام الماضي، وليس هذا هو المشروع الخيري الوحيد له، رحل وهو لم يبلغ الأربعين وربما كان عنده من الآمال كما عندنا وعند من هم في سنه ولكن عسى أن يكون ما عند الله خيراً مما انتقل منه فالله يقول: (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)؛ (فالموت سنة الله في خلقه.. وما حي على الدنيا بباقٍ).

اسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم وإخواننا المسلمين وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ).

الرس


man-8787@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد