سعادة الأستاذ خالد المالك
رئيس تحرير جريدة الجزيرة الغراء وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فقد اطلعت على مقالة د. حمزة السالم في العدد رقم 13708 والمعنونة ب»حوار مع الشيخ بن منيع.. لا نكتم الله فيه حديثا»، وبداية أقول: إنني هنا لست بصدد التوسع في نقاش في مسائل علمية أو الحوار في قضايا اقتصادية وذلك بسبب بسيط وهو أني لم أر حواراً يذكر في المقال ولا نقاشاً اقتصادياً عميقاً ولا مطارحة علمية رزينة فكل ما أمامي هو هجوم غير مبرر وتهكم مبطن واتهام للنيات ومغالطات علمية وعبارات متلاحقة ظاهرها الرحمة وباطنها من قِبَله العذاب!! مملحةٌ ببعض المسائل الاقتصادية المبثوثة هنا وهناك والمبطنة بإلماحات وإشارات تفوح منها رائحة الخلاف الشخصي لا العلمي! والأدهى من ذلك وأمرّ أن هذا الحوار «المزعوم» موجه إلى عالم من علمائنا، ورمز من رموز بلادنا، ومستشار لدى ولاة أمرنا، وإلى علم من أعلامنا ممن كان له قدم السَبْق في المشاركة مع بناة وطننا في تأسيس كثير من المؤسسات الشرعية في بلادنا المباركة وممن كان له الأثر الإيجابي في التأثير في المشهد الثقافي والعلمي والأمني والشرعي في بلادنا ونَقْلِه إلى آفاق أرحب وأوسعَ شموليةً بآرائه العميقة وتمكنه من المسائل الحادثة والنوازل المعاصرة وتطبيقاتها الشرعية وتأصيلها العلمي حتى أضحى -حفظه الله- مرجعاً واضحاً ومُطَمْئناً لكثير من الهيئات والمراكز العلمية ليس في بلادنا فقط بل وعلى نطاق أوسع من ذلك، ساهم في ذلك تلك الخبرات المتراكمة عبر السنين والتعامل مع النصوص الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة مع فهمٍ للنصوص وانفتاح في الآراء مع تأصيلٍ وتمسكٍ بالثوابت وتنوع في التجارب وولاء لهذا الوطن حتى أصبح بذلك واجهة مشرقة لعلماء هذه البلاد فهماً وتطبيقاً وتسامحاً، إنه معالي شيخنا العلامة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء في المملكة والمستشار في الديوان الملكي.
أخي الكريم د. حمزة: من حقك أن تناقش معالي الشيخ في آرائه الاقتصادية ومن حقك أن ترد عليه بما تراه حقاً فيما هو من اختصاصك، كما لك الحق أن تثري الساحة بنقاشات علمية مع «معاليه» مفيدة للأوساط الشرعية والاقتصادية في إطار علمي وشرعي مفيد فليس عندنا أحدٌ معصوم، ولكن ليس لك الحق بأن تنال من الشيخ بعبارات واستنتاجات وإسقاطات أقل ما يقال عنها بأن بعضها خارج عن أسس الحوار ومنطلقاته وضوابطه مع عامة الناس فما بالك مع عالمٍ له ثِقَله ومكانته وتأثيرُه من مثل قولك: «.... والشيخ بن منيع يتباهى بربح البنوك أضعافا مضاعفه ...»الخ. وقولك: «الشيخ يطالب الناس بالسكوت عن حيل وظلم واستغلال الصيرفة الإسلامية...» واتهامك للشيخ بالإشراف على معاملات فيها ظلم للضعيف واستغلال لجيبه ...» وغيرها من الاتهامات.
وإليك أخي د. حمزة هذه النقاط السريعة حول مقالك:
1 - إن كان لديك إشكال مع ما أسميتها «بالبضاعة المزجاة « ومع بعض آليات «المصرفية الإسلامية» وبعض من منتجاتها فلك الحق في النقاش في تلك الآليات والوسائل وسبل تصحيحها والارتقاء بها وبيان بعض السلبيات فيها وذلك لأن «المصرفية الإسلامية» تعد مصرفية حديثة صاعدة ومنتجاتها في الغالب تخضع للتقويم والارتقاء بها إلى الأفضل وهذا ما يحدث في كثير من المؤتمرات والملتقيات والبحوث وإن كانت إشكاليتك مع «المصرفية الإسلامية» كمبدأ ومنطلق ترفضه جملةً وتفصيلاً وترفض أن يكون الاقتصاد مرتبطاً بالضوابط الشرعية فهذه قضية أخرى تحتاج إلى مساجلات ونقاشات أخرى في بيان أن الشريعة جاءت شاملة لحياة المجتمعات {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
2 - قلت -وفقك الله- :(هذا الأسلوب التسويقي للبضاعة المزجاة والمسماة خطأً بالصيرفة الإسلامية لم نعد نسمعه هذه الأيام إلا من الشيخ بن منيع)!! وقلت في مكان آخر عن معاليه: (..بينما يهاجم المسلمين ويتهمهم بالربا ويعلن الحرب عليهم) فأما هذا الأسلوب الذي ذكره الشيخ من محاربة أهل الربا فهو أسلوب قرآني قال الله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ} فالحرب من الله وليست من الشيخ! والشيخ لم يكن يتحدث عن مسألة فرعية بل كان يتحدث عن الربا بشكل عام فإن كنت لا تعلم أن الله قد أعلن الحرب على الربا وأهله فلعلك أن ترجع إلى الآية ليثبت هذا الأمر لديك والأمر الآخر أن الدعوة إلى «المصرفية الإسلامية» وإلى تطبيقها ليست دعوة الشيخ فقط وإن كان الشيخ -حفظه الله- يعد من رموزها وله قدم السَبْق فيها ولكن يوافقه جمعٌ من العلماء في أنحاء العالم الإسلامي فأين ذهبت تلك المؤتمرات والبحوث والمصنفات المهتمة بتثبيت وتطبيق «المصرفية الإسلامية»؟! وأين تلك الأسماء المتخصصة من هذا كله؟! بل يوافق الشيخ في الدعوة إلى المصرفية الإسلامية والاهتمام بها عدد من المهتمين الغربيين والساسة الدوليين بعد أن رأوا أثرها الإيجابي مثل وزير خارجية بريطانيا! وجمع من المسؤولين الغربيين في تصريحاتهم المنتشرة في المؤتمرات والندوات العالمية خاصة بعد الأزمة العالمية الأخيرة، فالقول إنها دعوة فردية وأسلوب خاص بفرد واحد غير دقيق.
3 - قال د. حمزة: (الشيخ يطالب الناس بالسكوت عن حيل وظلم واستغلال «الصيرفة الإسلامية» بينما يهاجم المسلمين ويتهمهم بالربا ويعلن الحرب عليهم.. الخ) وهذا تجنٍّ على الشيخ، فالشيخ كان ولا زال عبر لقاءاته العلمية والإعلامية وبحوثه ومجالسه مُقعِّداً ومصحِّحاً لكثير من المفاهيم المرتبطة «بالمصرفية الإسلامية» ومُنتقِدا لبعض التجاوزات أو التطبيقات الخاطئة وناصحاً ومُشْفقاً على كل من يتعامل مع المؤسسات المالية بنصحه وتوجيهه التوجيه الأمثل والشرعي لفهم المصرفية الإسلامية وأُشْهِد اللهَ عز وجل عبر لقاءاتي بالشيخ سواء الإعلامية أو غيرها لم يكن إلا موجهاً للناس لما يراه الأصلح لهم وبما يدين الله عز وجل به ولم أسمع منه هجوماً على المسلمين أو اتهامهم «جملةً» بالربا كما ذكر الدكتور، فإن كان الهجوم على الربا وبيان حرمته وخطره على المجتمعات يعتبر هجوماً على المسلمين فهذا شأن آخر ولولا خشية الإطالة لذكرت مواقف متنوعة تبين حرص الشيخ على التأصيل والنصح للناس.
4 - قال د.حمزة: (والشيخ بن منيع هو رئيس كثير من الهيئات الشرعية عندنا في البنوك والتي تقرض .. «الخ) أما كونه رئيساً لتلك الهيئات فهو أمر لم يأتِ من فراغ أو مصادفة فهذه مكانة طبيعية لإرثٍ علمي وشرعي ضخم على امتداد ما يقارب النصف قرن من الممارسة العلمية الشرعية والتأصيلية لشيخنا -حفظه الله- وأمد في عمره على طاعته وهذه المكانة أيضا غير مستغربة على من كان ولا يزال عضواً في «هيئة كبار العلماء» في المملكة منذ أول تشكيل لها وهو بذلك يضرب أروع الأمثلة في الجد والمثابرة لشباب هذا الوطن ولطلبة العلم من أجل أن يحذو حذوه في المنهج والأسلوب والخلق، ونقول لكل من يتطلع إلى مكانة معالي شيخنا الباسقة اُبذل ما بذل واجتهد ولا «تعجل على رزقك» وأخلص النية، فلعلك أن تقترب إلى تلك المعالي والتي وصل إليها شيخنا، وأما التلميح بأن تلك الهيئات التي يرأسها الشيخ تُقرّ أموراً يتحقق فيها الربا وظلم الضعيف واستغلال حاجته، فهذه اتهامات تحتاج إلى إثبات وبينة وكل من تعامل مع الشيخ في هذه الهيئات سواء من مؤسسات مالية أو مجالس إدارة يعلم حرص الشيخ على تطبيق الآراء الشرعية المؤصلة تأصيلاً شرعياً والتي تأتي لإنقاذ العملاء من الاستغلال والجشع الذي قد تمارسه بعض المؤسسات المالية التقليدية، وحرص العملاء على تتبع آراء الشيخ والتعامل مع تطبيقاته الشرعية يبين هذا جيداً ويدل على أن الاحتكام للناس سيكون في مصلحة الشيخ ومنهجه لا العكس كما ذكر الدكتور حمزة.
5 - قال د. حمزة: (والصيرفة الإسلامية صنيعة الشيخ بن منيع هي التي مولت معظم مراكز دبي ومنتجعاتها الترفيهية المنافسة «للاس فيغاس» وبأقل تكلفة.. الخ). وأقول: لو كنا نعلم أن أبراج دبي ومنجزاتها الحضارية المنافسة «للاس فيغاس» من صنيعة بن منيع لطالبنا شيخنا بنقل هذه الصنيعة وهذه المنجزات الحضارية والسياحية إلى بلادنا علَّ بلادنا أن تستحوذ على جزء من كعكةِ سياحةِ أبنائها في دبي ولعل هذا من شأنه أن يحوّل بعضاً من مليارات السياحة الخارجية إلى داخل وطننا وأما الرد على سداد هذه الديون فطلباً للاختصار أحيلكم إلى كلام معالي الشيخ عبدالله «لمجلة المصرفية الإسلامية» لمن أراد الفائدة.
6 - قال الدكتور حمزة: (القول بربوية الفلوس المعاصرة هو من باب الاحتياط كما نص على ذلك مفتي الديار فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله..) وهذا كلام غير دقيق قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.. «ولكن ينبغي أن يُعلم أن أكثر معاملات أهل البنوك لا تخلو من أشياء مخالفة للشريعة من معاملات ربوية وغيرها، فينبغي لطلبة العلم تحذيرهم من كل ما يخالف الشرع». ا.هـ (ف 1946 بتاريخ 24-2-1381هـ 8-113), وكتب مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (فتوى رقم 1627 - نصيحة في التحذير من الربا) وذكر أنواعاً كثيرة من الربا ومنها ما نحن بصدد الحديث عنه هنا وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم مليئة بالقول بحرمة الربا في البنوك وفي الأموال النقدية بما لا يتسع المقام لذكره هنا، وعلى كل حال لابد أن نعرف لعلمائنا قدرهم خاصة لمن أفنى زهرة شبابه في خدمة دينه ووطنه من أمثال معالي الشيخ عبدالله المنيع، فبينما كان الشيخ المنيع قبل ما يقارب النصف قرن وهو يؤصل لمصرفية شرعية ويبحث ويستدل ويؤسس كان البعض من المهتمين بالاقتصاد الآن كانوا في ذلك الوقت «وببراءة الأطفال!!» يلهون في أزقة حواريهم «بالدنينه»!! ويلعبون «طاق طاق طاقية»!!
وختاماً نحن في وطن يسعنا جميعاً ونستطيع أن نتحاور تحت ظله الوارف بقواعد وأسس الحوار والذي يحفظ لكل ذي منزلة منزلته ولكل ذي حق حقه، ودمتم بخير.
عبدالعزيز بن علي بن نوح