Al Jazirah NewsPaper Saturday  01/05/2010 G Issue 13729
السبت 17 جمادى الأول 1431   العدد  13729
 
ثقافة العمل المهني
د. فهد السويدان

 

إن دراسة مفهوم العمل المهني في الإسلام وإحياء المبادئ والقيم المثلى التي جاء بها تنبثق أهميتها من كون العمل أداة التطور والبناء والتقدم الحضاري، ولقد أصبح العمل المهني والفني والتقني ضرورة اجتماعية وحضارية خلال العصر الحديث؛ لما يحتله من مكانة متميزة، خصوصاً لدى الدول التي قطعت شوطاً كبيراً تجاه تنفيذ البرامج والخطط التنموية الشاملة، وتزداد أهميته بفعل عوامل التطور التقني والتغير الاجتماعي والثقافي السريع؛ الأمر الذي ترتب عليه إعادة النظر باستمرار في محتوياته وأساليبه وتطبيقاته. ويقف المسلمون اليوم على بوادر وعي جديد في أنحاء العالم الإسلامي لتفجير الطاقات الهائلة التي تملكها دوله والاستفادة من ثرواتها الطائلة لبناء الحياة الإسلامية على مبادئ الإسلام وهدي شريعته السمحة ويعد العمل المهني للداعية مجالاً خصباً لدعوة الناس عن طريق سلوكياته في ممارسة عمله، وعليه.. فأنا لا أقصد الاجتهاد المعتاد في العمل المهني، من محاولة اقتطاع وقت من العمل، من أجل إقامة درس في المسجد أو وعظ الزملاء، وإن كان أمراً مطلوباً في حدود عدم إهمال العمل وتضييع وقت الزملاء، إلا أن نظرية الدعوة في العمل المهني تظل متوقفةً في أذهان الكثيرين على الوعظ المباشر، حتى وإن أدى ذلك إلى الإهمال في العمل نفسه؛ فيهدم بنفسه أسس الدعوة إلى الله التي تدعو إلى البناء والنهضة المثمرة، دون أن يدري أن العمل المهني قادر - بإذن الله - على أن يصبح منبراً قويّاً للدعوة، بما يحويه من تفاصيل كثيرة ومتشعّبة، تصبُّ بصورة مباشرة في صالح القيم الإنسانية التي ينادي بها الإسلام، ويريد الناس أن يروها بصورة عملية واضحة أمامهم. إن العمل المهني وسيلة قوية لأن يوصِّل الداعية رسالته إلى الناس، عن طريق الالتزام بالمواعيد وإتقان العمل ومساعدة زملائه ونصحهم وزيادة خبرته لتطوير العمل والقدرة على حل ما يطرأ على العمل من مشكلات.

إن العمل المهني وسيلة قوية للداعية لأن يوصل قيم نصرة المظلوم وإشاعة جو الألفة بين زملائه والسؤال عن أحوالهم وإقامة روابط إنسانية ودية معهم دون مصلحة، وإعلاء القيم الإنسانية على قيم المادة، ومعاملة الجمهور معاملةً حسنةً في البيع والشراء وخدمة الناس قدر الاستطاعة دون انتظار مقابل. إن العمل المهني لا يعد بأي حال من الأحوال بعيداً عن العمل الدعوي، بل هو في صميم العمل الدعوي؛ لأنه يُعد الترجمة العملية لكثير من قيم الإسلام التي ينادي بها الداعية، وهو أحد الاختبارات القوية للداعية نفسه أمام نفسه وأمام الناس، على مدى قدرته على تطبيق ما ينادي به؛ ليصبح إذا نجح في ذلك متشبِّهاً بخير البشر أجمعين؛ محمد - صلى الله عليه وسلم - (حينما وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بأنه كان قرآنًا يمشي على الأرض) كما في الصحيحين.

يقولون إن المهنة شرف، والعمل فخر، ويجعل للإنسان قيمة بين الناس، وقد تنوعت مجالات العمل، وأصبح لكلٍّ صنعة وعمل، ولكن يظل العمل المهني واليدوي والحرفي هو الأهم؛ فهو أكثر مجال لجعل الإنسان يبرز ما لديه من طاقات ومواهب، وعلى الرغم من أن العمل المهني لا يزال يئن تحت وطأة العقدة إلا أن الجهود المبذولة من قبل الدولة - أعزها الله - ممثلة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني سوف تساهم في نشر الوعي لدى شباب الوطن بأن العمل المهني هو المستقبل لشباب اليوم وجيل المستقبل والأجيال القادمة. شباب الماضي والحاضر لا يزال ينظر إلى العمل على أنه مكتب وراحة دون استخدام للعقل وإبراز للمواهب والإبداعات والابتكارات الموجودة لدى الإنسان، وهذا - بحسب الإحصاءات الأخيرة - يزيد في معدل البطالة، ويجعل الشاب محصوراً على عقدة رسمتها السنون بأن العمل المكتبي هو ما يجعل للإنسان قيمة لدى الآخرين، وهذا الكلام غير صحيح؛ فالعمل المهني قادم - لا شك - بقوة، ويجب على شباب وطننا الاستعداد لهذه المرحلة المهمة في تاريخ المهنة. قلت في بداية الموضوع إن العمل المهني شرف، ومَن لا يعمل ليس له قيمة، ولا يشعر بلذة الحياة، ولا سيما أن العمل يدخل ضمن إطار العبادة؛ فرسول هذه الأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قدوتنا وحبيبنا كان يعمل راعياً للغنم، ويكسب من عرق جبينه، وجميع أنبياء الله كانوا يعملون بأيديهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد