Al Jazirah NewsPaper Saturday  01/05/2010 G Issue 13729
السبت 17 جمادى الأول 1431   العدد  13729
 

العلماء
تركي بن زايد بن محمد العابط

 

العلماء لهم شأن جليل وفضل عظيم ومكانة سامقة، وهم أساس متين وركيزة قوية ترفع عليها قواعد النجاح، وإذا التففنا حولهم وفتحنا لهم الأبواب الموصدة، أوصلونا إلى فضائل العلوم وازدادت منفعتهم وكثر عطاؤهم، وبأمثالهم يحسم الأمر والخلافات في أوقات الشدائد والملمات، وهم بمثابة الدر في أعماق البحار والمحيطات، فكلما حصلت عليه طلبت المزيد لأن عبق نفائسه نادرة وثمينة لا تنتهي.

والعلماء لهم منزلة عظيمة وفصل كبير ومكانة سامية بين العقلاء وذوي الآراء الثاقبة السديدة، لأنهم يعلمون الناس ما يرقون به في حياتهم، فهم مصابيح دجى ومشاعل خير يقتدي بهم، وفي ذلك يقول الشاعر:

علماؤنا عرفوا الحياة بعلمهم

سلكوا طريقاً شائكاً وطويلاً

وتشوقوا للعلم بعد مشقة

عرفوا الكتاب مؤانساً وخليلا

نعم أخي القارئ، فكلمة العلماء تحمل في طياتها مدلولات عظيمة، ولها أبعاد في معانيها تحتاج إلى وقت طويل لترجمتها ليكون الإنصاف أهلاً لهؤلاء، وقد دون فيها العقلاء العديد من مؤلفاتهم العظيمة كما وأن الكتاب على مر التاريخ أيضاً لم تجف أقلامهم في كتاباتهم عن هذه الصفوة الكريمة، ولعل أعلى العلماء هم علماء الشريعة بعلمهم الشرعي الذي هو على رأس هرم العلوم كلها، لأن الحياة بدونه لا معنى لها، بل أكاد أجزم ولا أبالغ بأنها أساس لكل علم، فهي منطلق إشعاع، ومرجع وثيق يعتد بها في جميع القضايا العلمية، وهناك أمثلة لا حصر لها في الدلالة على ذلك.

وعلماء الشريعة هم خير من يقتدي بهم، كيف لا؟ وهم قد نهلوا من الكتاب والسنة بعد أن أفنوا حياتهم في طلبها وتفسيرها وتدوينها بصدق وأمانة، كل ذلك تأسياً برسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد رفع الله من شأنهم لأنهم ورثة الأنبياء يضعون مخافة الله نصب أعينهم وقد أنار الله أبصارهم وبصائرهم، فاتقوا الله حق التقوى لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (28) سورة فاطر.

أخي القارئ: إنك ترى وتقرأ وتسمع عن كثير من العلماء على مستوى العالم في مختلف التخصصات يكرمون ويمنحون أعلى الأوسمة، وبالطبع هم أهل لذلك، وهذا هو ما نناشده وننشده إلا أنه مما يدهشني ويشد انتباهي واستغرابي انني نادراً ما أسمع عن تكريم عالم في الشريعة.

نعم، علماؤنا زهدوا في هذه الدنيا الفانية، ولم يغرهم سرابها وزخرفها بل انقطعوا للعبادة وعكفوا على العلم يأخذونه من منابعه الصافية وينشرونه للناس بحكمة وتعقل وتواضع وصبر وروية، وعزفوا عن أموال الدنيا وذخائرها لشدة إيمانهم بالله وحده إلا أن واجبنا الديني والأخلاقي تجاههم يحتم علينا وبحثنا على تكريم هؤلاء بسخاء.

وعلماؤنا لهم حقوق علينا كما لنا عليهم حقوق، وحقهم علينا أن نجلهم ونقدرهم ونحترمهم ونقضي حاجاتهم، ونقف في صفهم سراً وعلانية، وندعو لهم بظهر الغيب، ونبرهم هم وذويهم ومحبيهم، وبما أنه لا عصمة لأحد، إلا من عصمه الله، فإننا نلتمس لهم الأعذار في هفواتهم وزلاتهم، كما وتبتهج قلوبنا في قضاء حوائجهم، ونذلل كل الصعوبات التي تواجههم في نشر الفضائل والعلوم بين الناس، ومكانتهم عظيمة في نفوسنا، فلا نستريح البتة، إذا أغمضت أجفانهم على أذى، فنحن بارون بهم كأبنائهم، بل نحن أبناء لهم، نستريح لمن يسدي لهم المعروف، ومن يقدرهم يقدرنا، ومن يجلهم يجلنا، وهم يتربعون على عروشهم قلوبنا، لقول الله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} الآية، وقد ذكر المفسرون أن العلماء من ولاة الأمور. أما حقنا عليهم فهو كثير وكثير وهم أكثر الناس علماً به وإدراكاً له، ولا نملك أن نورد إلا القليل منه، فالأصل أنهم مشاعل نور يستضاء بهم وبعلمهم، يتجولون في أنحاء المعمورة ليضمدوا جراح أمتهم وينهضوا بها.

دأبهم العمل والاستمرار في العطاء، فلا يقفون عند حد لحظة واحدة، فهناك دروس، وهناك مواعظ، وفي أماكن أخرى محاضرات وندوات ولقاءات، اليوم في الوسطى، وغداً في الشمال وبعد غد في الجنوب، وهكذا هم كخلية نحل لا تهدأ ولا يقر لهم قرار، طلابهم ومجتمعاتهم قد استفادوا منهم، وأمتهم افتخرت بهم، جل همهم إظهار الحق وتوجيه الأمة بأسرها إلى منابع الخير، فكم من فتنة مضلة أخمدوها، وكم من حائر أمسكوا بيده إلى جادة الصواب، حتى في وقت تناول طعامهم ووجباتهم، تجد طلابهم والناس عامة على اختلاف شرائحهم يحيطون بهم يتلمسون المعرفة ويتوخون الدقة في النهل من معين علومهم.

وفي الختام أقول:

عذراً علماءنا، عذراً مشايخنا، لم نعطكم أقل حقوقكم، فأنتم في نظرنا ونظر الأمة أجل وأكبر من أن نسطر بكم كلمات معدودة فلكم منا الحب والتقدير والإجلال والوفاء، ودمتم لأمتكم رايات عز وفخر.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد