Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/05/2010 G Issue 13733
الاربعاء 21 جمادى الأول 1431   العدد  13733
 
البوارح
إجادة لغة أجنبية
د. دلال بنت مخلد الحربي

 

تعدُّد اللغات على رقعة الأرض لفت انتباه بعض المنظرين والفلاسفة، الذين عدوا ذلك لغزاً؛ إذ لماذا لا يتكلم الناس لغة واحدة؟ بل ولماذا كل هذه اللغات التي تصل إلى أكثر من خمسة آلاف لغة، بحساب علم الأجناس.

اللغة: هي وسيلة التواصل والتقارب وفَهْم الآخر، وفي ديننا وتراثنا ما يوضح الموقف من معرفة اللغات الأخرى؛ فهي أمان من كل فعل سيئ أو غدر وشر؛ إذ إن معرفة لغة الآخر تؤدي إلى فَهْم وجهة نظره ونفسيته وأهدافه أيضاً.

وعبر مراحل مختلفة من تاريخنا نشطت حركة الترجمة من العربية وإليها من لغات مختلفة، وبالطبع كان عامل الترجمة هو «إجادة اللغة»؛ فقد كان أسلافنا على وعي بهذه القضية في أفق التعامل مع الشعوب الأخرى.

وأمر آخر في المقابل؛ إذ كيف نُسقط من حساباتنا حقيقة حرص الآخر على إجادة اللغة العربية تحدثاً وكتابة، وظهر ذلك بوضوح من خلال الرحالة والمبشرين وحتى الباحثين في الوقت الحاضر.

عندما تكون هذه الحقيقة ناصعة البيان أمام ناظريك يصعقك تنديد البعض بجواب ضرورة إجادة طلابنا، خاصة في مراحل التعليم الجامعي، للغة أجنبية؛ إذ يندد بهذا المطلب في صورة وكأنما تبدو سباحة ضد تيار العولمة والاتصال بالآخر والاستفادة منه. ومنطق هذا التنديد الإيمان بالهوية المنغلقة ودعاوى أخرى مثل الخوف من الأجنبي ومن الثقافة الأجنبية، وفكر الاختلاف.. وحديث طويل تشعر معه بأنك تخوض في بحر تساؤلات يفضي إلى إسقاط تبريرات وهمية صرفة على الجدل والممانعة.

المؤسف أن البعض لا يريد أن يعترف بأن صورة العالم على صورته المنبسطة المتباعدة المسافات قد اندثرت، بل إن صورة العالم حالياً هي الصورة الدائرية المتحركة التي أصبحت تؤثر وتتأثر في التقاء مباشر وغير مباشر حصيلته التثاقف المتوازن بين الهويات المتعددة والثقافات المتجاورة؛ وبالتالي فإن موقف الهلع المنطوي في حقيقته على ضعف تكوين، المانع من عدم إجادته هو شخصياً لأي لغة أجنبية، يفضح حقيقة الرفض.

لم يكن في يوم من الأيام معرفة لغة أجنبية تتعارض مع الحفاظ على الهوية والقيم ونمط التفكير، بل هي أحياناً مدعاة لتعميقها وتثبيتها، وهو رهان علينا كسبه لنلحق بركاب الآخرين.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد