Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/05/2010 G Issue 13734
الخميس 22 جمادى الأول 1431   العدد  13734
 
الحبر الأخضر
تحديات الخطاب الثقافي السعودي
د. عثمان بن صالح العامر

 

مفهوم الخطاب من المفاهيم الواسعة ذات الدلالات المتعددة والأبعاد المتوازية وربّما المتقاطعة التي يصعب حصرها في نسق دلالي واحد، ومصطلح الثقافة هو أيضاً يعاني من إشكاليات عدة، أفقدته هذه الإشكاليات المتراكمة دلالته الموحدة ذات البعد المعرفي «الجامع والمانع» الذي يتيح للباحث والكاتب إقامة مشروعه الفكري على أرض صلبة وقاعدة متينة، ولذا كثيراً ما يهرب النقاد والمفكرون من إشكالية المصطلح ومراوغته هذه بالقول: إنه مصطلح معروف وشائع (والمعروف لا يعرف)، أو أنهم يعولون على ما قاله الغربيون عبر مدارسهم المختلفة ويكتفون بمجرد النقل مع اختلاف في البيئات الثقافية وتنوع في المرجعيات والتصورات والأفهام، ويكفي أن نتذكر أن هناك من المفكرين المعاصرين من يعتقد أن العولمة المنتصرة ألغت كل الفروقات الثقافية، وتجاوزت جميع الحدود المكانية والزمانية واللغوية والقيمية، بل حتى الأيديولوجية والتي هي بمجموعها مكونات رئيسة في الثقافات الشعبية فضلاً عن ثقافة النخب والخاصة، ومع هذا الانتصار وُلد قوياً مصطلح «لا ثقافة» أو ما يمكن أن نطلق عليه «موت الثقافات المحلية»، ولذا لا ضير من الوقوف على أرض غربية سواء حين تحديد المصطلح والحديث عن المفاهيم أو عند تطبيق المناهج والآليات، وفي ذات الوقت لا مكان للحديث عن الخصوصية والذاتية في عالم الثقافة والفكر حيث اختلطت الرموز وتشابكت القيم وتماثلت التصورات التي هي ركيزة مهمة من ركائز ثقافتنا المحلية ومعلم بارز من معالم هويتنا الوطنية.

إن «تحديد المصطلح» -في نظري- أول تحدٍّ يواجهنا عند محاولتنا الجادة لمقاربة خطابنا الثقافي في دائرته المحلية. ليس تحديد المصطلح -كما يعتقد البعض - أمراً هيناً يمكن غض الطرف عنه، إذ إن منهجية الطرح وآلية التناول تتكئ أولاً وقبل كل شيء على مجموعة مصطلحات منها المنطلق وإليها المرجع، ولذا من الخطأ والفوضى العلمية تجاوز المصطلحات أو حتى تطبيق منهج نقدي على خطابنا الثقافي باستخدام مصطلحات غيره من المناهج، وهذا يقودنا إلى القول بأن مناهج التحليل وآلية القراءة هي في ذاتها إشكالية ثانية تعترض المشتغلين بتحليل خطابنا الثقافي المعاصر، علاوة على تحدي الاستلاب والاختزال والتحيز والمثاقفة غير المنضبطة والُأحادية في النظرة والإقصاء من كل الأطراف والزمر الثقافية سواء في المركز أوالأطراف، وغياب المرجعية والثنائية والضبابية والعلاقة مع السلطة السياسية والتوافق أوالتضاد بين ثقافتنا النخبوية والثقافة الشعبية و...، كل هذه الإشكاليات -وغيرها كثير- يمكن الحديث عنها في مقام التحديات، وكذا المعوقات التي نقف أمامها عاجزين عن بلورة معالم واضحة لخطاب ثقافي محلي واعد وواع في زمن العولمة الصعب.

إنني شخصياً ومن رؤية ثقافية صرفة أعتقد أن لدينا فوضى في مشهدنا الثقافي السعودي وهي في ازدياد وتُخفي خلفها ألواناً من الصراع الثقافي المغذى والمصفق له، وجزماً هذه الفوضى أتاحت لمن يأكلون على فتات موائد الآخرين التسلل للصفوف الأمامية فصار من بين رموز الحركة الثقافية السعودية الأدعياء وأشباه المثقفين ولو إلى حين، ولذا فإن وزارة الثقافة والإعلام مدعوة من خلال إشرافها على الأندية الأدبية ورعايتها للحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية إلى إعادة رسم معالم الطريق لخطابنا الثقافي المعاصر، وفي ذات الوقت إنزال الناس منازلهم بعيداً عن المجاملات والشللية التي قد تُقبل في كثير من مفاصل حياتنا المعُاشة إلا حين الحديث عن الثقافة والفكر والإبداع والأدب، كما إنني أهيب بمعالي الوزير بالعمل الجاد على إيجاد التوازن المناطقي سواء في الإعلام الرسمي عبر قنواته المختلفة أو حين الحديث عن الثقافة والتمثيل الداخلي والخارجي، وتكافؤ الفرص بين الأجناس الثقافية المختلفة، والاهتمام الفعلي ببناء خطاب ثقافي متكامل لا يقف عند ردود الأفعال ولا يكون مجرد صدى للغير بل يكون هو بذاته خطاباً فاعلاً وله من الاستقلالية ما يضمن صلابته وقدرته على المثاقفة والمنازلة العالمية الناجزة والمؤثرة، وإنني على ثقة بأن لقاء تبوك الموسوم ب«تحديات الخطاب الثقافي العربي» والذي شرف برعاية كريمة من لدن مقام صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان آل سعود أمير المنطقة وحضور ميمون من قبل معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجه ولفيف من المثقفين والأدباء والكتاب ومشاركة قوية من جميع مناطق المملكة، بل وحتى من خارج أرض الوطن والذي أنهى أعماله أمس القريب يعد خطوة هامة ولبنة أساس من لبنات البناء المتكامل في صرح ثقافتنا المحلية، بل وله بعده العربي في الخطاب الثقافي المعاصر ولكن (خير الأعمال أدومها وإن قل)، ولذا كان هذا المقال.. وإلى لقاء، والسلام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد