Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/05/2010 G Issue 13734
الخميس 22 جمادى الأول 1431   العدد  13734
 
أوروبا ودومينو الهلاك
جانيس أ. إيمانويليديس بروكسل

 

لقد انتشر الخوف من العدوى في مختلف أنحاء أوروبا. والآن ينظر العديد من المحللين إلى اليونان باعتبارها أول أحجار الدومينو المحتمل سقوطها في سيناريو يسير على النحو التالي: تدابير التقشف اليونانية لا تكفي، فتتفاقم أزمة الديون، وينتشر خطر العجز عن سداد الديون السيادية إلى بلدان أوروبية أخرى.

ومع سقوط حجر الدومينو اليوناني فإن دولاً مثل البرتغال وأسبانيا وإيطاليا سوف تبدأ في التعثر، وسوف تتحول الأزمة الاقتصادية الخفيفة إلى كارثة أوروبية كبرى.

وهذا الرأي يشير إلى أن العديد من البلدان الأخرى قد تضطر إلى المسارعة بمساعدة «أخوانهم الأوروبيين» - سواء كانت برلين أو أي عاصمة أوروبية أخرى راغبة في ذلك أو لم تكن.

وفي نهاية المطاف قد تضرب أزمة الديون السيادية الاقتصاد الحقيقي، وقد تنتهي الحال بأوروبا إلى حلقة مفرغة من العجز، وانخفاض معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة إلى عنان السماء، وتدني القدرة على المنافسة.

ومن الواضح أن هذا هو السيناريو الذي يريد الجميع - باستثناء بعض المضاربين - أن يتجنبوه.

وبعد أن وافقت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة على خطة «الملاذ الأخير» لإنقاذ بلدان منطقة اليورو التي تواجه خطر العجز عن سداد الديون السيادية، فقد أصبحت احتمالات تحقق ذلك السيناريو أقل ترجيحاً. ولكن نظرية أحجار الدومينو السائدة ليست كاملة. ذلك أن الأزمة قد تخلف تأثيرات اجتماعية وسياسية تتجاوز المجالات الاقتصادية بكافة أبعادها.

على سبيل التوضيح، دعونا نناقش الحالة اليونانية. إن الوضع الاقتصادي في اليونان يتدهور بسرعة. حتى إن بعض المحللين تكهنوا «بالموت البطيء» للاقتصاد اليوناني. والمواطنون أنفسهم يشعرون بأن الموقف سوف يتفاقم سوءاً إلى حدٍ كبيرٍ قبل أن يتحسن.

ويدرك أغلب اليونانيين أن بلادهم تحتاج إلى تحول جذري. ولكن الإصلاحات سوف تكون مؤلمة، وقد تستغرق أعواماً قبل أن تبدأ البلاد في إظهار أولى علامات التعافي. وإلى أن يحدث ذلك فإن المجتمع اليوناني سوف يعاني من تقشف الموازنة، وخفض الإنفاق الاجتماعي، والتدهور الاقتصادي العام. ورغم هذه الصورة القاتمة فإن حكومة رئيس الوزراء الاشتراكي جورج باباندريو ما زالت تتمتع بالدعم.

ففي هذه المرحلة لا يعتقد أغلب اليونانيين أن أي حزب سياسي آخر قادر على إدارة الأزمة بشكل أكثر فعالية.

ولكن الإحباط في الوقت نفسه يتزايد بشكل مطرد في اليونان. ففي غياب الأمل يبدو البلد وكأنه يهوي إلى قاعٍ سحيق من الاكتئاب الجمعي. ولكن هل يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى اضطرابات اجتماعية جمعية؟ لقد شهدت البلاد بالفعل اندلاع أعمال عنف في تاريخها الحديث. ورغم أن اليونان ما تزال بعيدة عن احتمالات الانفجار المتطرف، فلا يسعنا أن نستبعد احتمالات حدوث ردود أفعال عنيفة في شوارع أثنيا أو غيرها من المدن الكبرى في اليونان.

وقد يزعم البعض أن اليونان - أو أي بلد آخر في وضع مماثل - ينبغي له أن يتغلب على مثل هذا الوضع الطارئ بنفسه ومن دون مساعدة من أي جهة خارجية. بيد أن هذه الرؤية قصيرة النظر. ذلك أن اندلاع الاضطرابات الاجتماعية على نطاق واسع في اليونان أو أي مكان آخر قد يؤثر على كافة شعوب الاتحاد الأوروبي بطرق مختلفة ولا يمكن التنبؤ بها.

بل وقد يزعم البعض أن أحجار الدومينو السياسية بدأت في السقوط بالفعل. ذلك أن الأزمة وردود الأفعال في مواجهتها عملت على توسيع التصدعات القديمة وفتحت تصدعات جديدة. ويبدو أن انعدام الثقة بين بلدان الاتحاد الأوروبي أمر منتشر على نطاق واسع. فكل طرف يلقي اللوم على أطراف أخرى ويحملها المسؤولية عن الافتقار إلى التضامن - سواء بشكل صريح أو من وراء الأبواب المغلقة.

أما هؤلاء الذين يعانون أشد المعاناة من جراء الأزمة فيزعمون أن خطة الإنقاذ الأخيرة كان من الواجب أن تأتي قبل مدة طويلة، وأن الخلل في التوازن الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي أسهم في اندلاع أزمة الديون في بعض البلدان الأعضاء.

وهناك آخرون لا يفهمون لماذا يتعين عليهم أن «ينقذوا» البلدان التي تسببت بسلوكياتها السيئة غير المسؤولة في تعريض نفسها، والعملة الموحدة، لضغوط شديدة.

يتعين على صناع القرار والمعلقين ألا يأخذوا في الحسبان العواقب الاقتصادية فحسب، بل وأيضاً العواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة على بعض الاستجابات السياسية أو التكاليف العابرة للحدود الوطنية والناجمة عن التقاعس عن اتخاذ القرارات السريعة الحاسمة.

وإذا كان الأوروبيون يتجاهلون «الضرورة الحتمية» التي تحدث عنها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت - لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعله بك الآخرون - فلا ينبغي لهم أن يندهشوا إذا انتهت الحال بالاتحاد الأوروبي إلى الجمود أو حتى الانهيار.

والأمر الآن متروك للمواطنين الأوروبيين وأهل النخبة لتفادي الأسوأ. وإلا فإن المؤرخين في المستقبل سوف يتساءلون: لماذا اختار الأوروبيون في أوائل القرن الحادي والعشرين الفُرقة والتهميش الدولي بدلاً من الوحدة والمكانة العالمية.

(*) جانيس أ. إيمانيوليديس كبيرة تحليل السياسيات لدى المركز الأوروبي للسياسات في بروكسل.
خاص ب الجزيرة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد