Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/05/2010 G Issue 13734
الخميس 22 جمادى الأول 1431   العدد  13734
 
هكذا نستعيد إعلامنا المخطوف
إبراهيم ناصر المعطش

 

المتتبع للإعلام العربي وأعني تحديدا «الفضائيات العربية» يجد نفسه غريبا أمام شاشاتها، ويجد بونا شاسعا بين الرسالة التي ينبغي أن يتبناها، وبين التوجه الذي يسير عليه، ويجد ركام الهدم، وآثار التحطيم، واضحة للعيان، ولا يكاد يرى لبنات التشييد والبناء، حتى يدخل في تساؤلات مع نفسه ومع من حوله، هل هذا هو إعلامنا حقيقة؟ وأين نحن منه، وأين هو منا؟ وهل تم اختطاف هذا الإعلام، وصار يدار بأيدٍ غريبة غير الأيدي التي نشأت بيننا وتربت معنا؟ أم تغربت العقلية التي تدير ذلك الإعلام بتلك الشاكلة؟

هذا الإعلام الذي تنكر لنا، وجعلنا نتنكر له، يقوم على آليات ضخمة وعصرية، وأساليب ذكية، ووسائل حديثة، لكن سلوكياته لا تشبه المجتمع المستهدف، ورسالته ضلت طريقها، ومحتواه ليس المحتوى الذي يناسب المجتمع العربي بكل قسماته وخصائصه وصفاته وتكويناته، تلك السلوكيات لا منهج لها مما يناسب المحتوى العربي القيم الأصيل المتنوع المتكامل الذي يستوعب الآخر ولا يذوب فيه، ويتواكب مع العصر، ولا يمحو ماضيه، ويؤخذ منه عبر الأجيال ولا ينضب معينه.

الإعلام الذي أفلت من بين أيدينا، يرتكز على كوادر إعلامية متميزة من ناحية الخبرة والقدرات الفنية، والأدائية، لكنه يفتقر إلى الكوادر التي تعي ما تقدم وتصنع من مادة إعلامية، وتعرف لماذا فعلت ذلك، وما النتيجة الحتمية لما قامت به، كوادر تحمل خصائص الأمة وصفاتها ومحتوى تراثها وأصالتها، وتدرك رسالة الإعلام الحقيقية ودوره تجاه المجتمعات، وما يجب أن تعكسه عبر ذلك الإعلام.

كوادر الإعلام العربي (المخطوف) هل تدري دور هذا الإعلام ورسالته؟ وما المراد منه؟ وما واجبه تجاه المجتمعات العربية؟ إن كانت تدرك ذلك، فهي تدرك أنها لا تقوم بما يجب أن تقوم به، وفي هذه الحالة فهي تقوم بالتضليل والخداع والغش لهذا المجتمع، وبالتالي تنافي أخلاقيات المهنة، وأمانة الكلمة، وتتجاهل الرسالة، وإن كانت لا تدرك فتلك مصيبة أعظم، وهذا يعني أن الرجال الذين وضعوا أنفسهم في تلك المواقع هم في واقع الحال غير مناسبين لها.

وبطرح أسئلة بسيطة نستطيع أن نقرر ما إذا كان إعلامنا مخطوفا أم لا، منها على سبيل المثال، هل يمثل ذلك الإعلام، والطرح الذي يقوم به، تطلعات المجتمع؟، وهل يحقق الطموحات التي يصبو إليها؟ وما مدى استيعابه لأهداف الأمة ورسالتها، واحتياجات المجتمع، ومدى تعبيره عن وجدانه، الإجابة التي لا تخفى على كل ذي بصيرة جديرة وكافية لتوضح إلى أي مدى هذا الإعلام مخطوف، أو ضال الطريق، أو منكفئ على اهتمامات هي ليست من أولويات المجتمع، ولا حتى من أجندته.

أما اذا تحدثنا عن المهنية، فلا ريب أن إعلامنا يرتكز على قدر رفيع من المهنية والخبرات والكوادر المؤهلة فنيا وتقنيا، لكن الجانب الفكري يشوبه القصور، وكذلك الجانب الثقافي، لأن رسالة الإعلام العربي، يجب ألا تخرج عن تكريس القيم الثقافية والفكرية والمنهجية والحضارية، والإبداعية لهذا المجتمع، وترسيخ قيم الوحدة والسلام والأمن والتضامن والإسهام في إرساء الدعائم التي تعزز تلك القيم والثوابت والأصول. والدليل على الافتقار الفكري والثقافي والمنهجي، أن إعلامنا يسلم زمام أموره (في كثير من الأحيان) إلى الوجوه دون الألباب، فتارة تجد عارضة الأزياء مذيعة أو مقدمة برنامج، لا تجيد فيه إلا إزالة خصلات الشعر من على وجهها مع ابتسامة مائعة، وأذرع عارية إن لم نقل صدر وأفخاذ عارية، وتارة تجد المذيعة أو مقدمة البرنامج تحولت إلى فنانة أو راقصة، وهكذا تختل المعايير، وتغيب الموجهات، وتضيع الرسالة، ويخطف الإعلام بقصد أو بغير قصد، ونجد أنفسنا ضحايا لإعلامنا، والإعلام الآخر يدير معركته بعناية شديدة ووفق منهجية ووسائل وسلوكيات وآليات لا تتغير مهما اختلف الأشخاص، ورسالة ترمي إلى الأفق البعيد، وليس للمكاسب المادية الآنية (كما هو الحال بالنسبة لنا).

إعلامنا (المخطوف) لا تنقصه الإمكانيات، بل لديه من الإمكانيات ما إن سخره في الاتجاه الصحيح لتغير حال الأمة في مختلف جوانب حياتها، ولكن للأسف تلك الإمكانيات مسخرة من أجل أن ترتد إلينا في نحورنا، وتصيبنا بشظاياها المحرقة، وهكذا نصبح هدفا لإعلامنا وللإعلام الآخر الذي يمثل خط الدفاع الأول للثقافة والتراث والثوابت التي ينطلق منها، ولا مجال له للمجاملة أو الحيدة عن تلك المبادئ.

ترى متى تكون لنا مبادئ مقدسة في إعلامنا، ومتى تكون لدينا خطوط حمراء نتوقف عندها حينما تمرح بنا النفوس بعيدا، ونسقط معها في درك الزلل، ومتى يكون لنا هدف ندافع عنه وننشده ونستخدم المهنية ومختلف الوسائل النظيفة للوصول إليه؟ ومتى نحسب خطوات إعلامنا بموجب دراسات كي نعرف هل هذا الإعلام يبني أم يخرب، ينشئ أم يهدم؟ اذا استوعبت عقولنا مثل هذه التساؤلات، وارتضت ضمائرنا هذه المعايير، وقبلنا الاحتكام إلى هذه المنهجية، وقتها، نستطيع أن نقول يمكننا استرداد إعلامنا المخطوف.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد