Al Jazirah NewsPaper Friday  14/05/2010 G Issue 13742
الجمعة 30 جمادى الأول 1431   العدد  13742
 
المزاجية وتأثيرها على السلوك
محمد فراج الشهري

 

للمزاج والمزاجية في حياتنا دور كبير، حتى ليبدو الأمر وكأنه قانون، ربما يسد فراغاً مهماً في سيادة القانون، ولا أعني القانون السائد في عرف المحامين، بل أتوسع أكثر ليشمل قانوني النواميس، والأخلاق الإنسانية. على أنني لا أدرك سر هذا المزاج الذي يتحكم بنا، فأنت ترى النهر ينساب رائعاً عذباً جميلاً والدنيا بخير، ثم ينقطع بلا سابق إنذار أو يحوّل مجراه ليروي أرضاً أخرى ويصب في مكان آخر، وهكذا دواليك، يستمر النهر بالتقلب حتى لا تعود قادراً على معرفة مجراه الأصلي، ناهيك عن أن تكون قادراً على الوصول إلى منبعه، فهو سر من الأسرار لا يعرفه إلا الراسخون في العلم. هل نتحدث عن مثال؟ لا بد أن لديكم فيضاً من أمثلة على هذا المزاج المتقلب العكر، قد يبدأ أوله في بيوتكم ليمتد بالتأكيد إلى أماكن عملكم، ولا ينتهي عند حد، وحتى بعض بائعينا الكرام لا يروق لهم أن نشتري منهم، فهم يريدون أن يبيعوا على مزاجهم، يختارون الزبون، وكذا البضاعة، وإلا فلا ضرورة للبيع، ومن لم يعجبه فليشرب البحر. أنت موظف نشيط بعون الله، ومديرك حلو سلس اليوم، لكنه فجأة يقلب ( خلقته )، ولا تعرف كيف تداريه. أما الأكثر شيوعاً فهو أن يكون مقلوب الخلقة دائماً لا تعرف ما الذي يبسطه ويرضيه وما الذي يغضبه، وعلى هذا يبقى مصيرك معلقاً بين يديه ربما عمراً طويلاً، فهو هو ذات المدير، وأنت أنت ذات الموظف الذي لا يعرف أماناً ولا ترقية. أنت تلميذ صغير في المدرسة، وفيك براءة الدنيا، لكن حتى المعلمة ( الكبيرة الناضجة ) تحقد عليك لأنها حاقدة على أمك أو أبيك أو وضعك أو وضعها الاجتماعي أو الطبقي، ولا تعرف سراً لهذا الصراخ المتكرر في وجهك، الصراخ غير المبرر ولا المقنع، بمجرد أن تفتح فمك. أنت رجل خدوم وقلبك للناس، وهم لا يوفرون فرصة يطلبون فيها مساعدتك، ولا يتركون لك وقتاً ترتاح به ويكثرون مجاملتك، حتى إذا ما ضعفت أو قصرّت يوماً ولم تستطع خدمتهم قلبوا لك ظهر المجن أو تركوك في مهب الريح. نعم أنت طيب ومحبوب ما دمت تعطي، حتى إذا ما احتجت أو طلبت حتى حقوقك، صرت العدو الأول، وبلا سبب منطقي. أنت جار لا يعرف الجيران صوتك ولا يرونك لانشغالك إلا نادراً، ومع ذلك لا يقصرون في إزعاجك بكل وسيلة ممكنة، وكأنك تأكل خيرات مزارعهم أو من عرق جبينهم. أنت طبيب، أنت مهندس، أنت عسكري، أنت من أنت، أنت محكوم لأمزجة الآخرين دون أن تعرف سبباً منطقياً لأية مزاجية عجيبة تخضع لها، وما لك إلا الصبر والسلوان. والمصيبة أن ذات العدوى تنتقل إلى أطفالنا الذين يتعلمون منا الكذب والمراوغة. هل هو البطر؟ هل هو الطفر؟ هل هي الغيرة؟ هل هو اللاضمير؟ هل هي المصلحة؟ هل هو الضغط الذي يولد الانفجار حتى قبل أن يفتح الولد أو التلميذ أو المشتري أو الموظف أو المراجع فمه؟ لا أدري.. ولا أعرف سبيلاً لمعاقبة أمثال هؤلاء سوى معاملتهم بالمثل حينما يحتاجون، وهذا عين ما يفعله البشر، ينتقمون من بعضهم شر انتقام حينما تحين لهم الفرصة، لا بل تراهم يتربصون ببعضهم، بانتظار وقوع المعني، حتى تقع فوق رقبته السكاكين، وعلى رأسه العصي. على أنني أعرف سبيلاً هاماً يريحكم من كل وجع الرأس هذا، هو اللامبالاة وعدم الاكتراث، فلا يهمك إن راجعك المراجع في وقته أو مات، ولا يهمك إن باعك البائع أو لم يبعك، فلا بد لدورة الأيام أن تدور، ولا بد أن هناك بدائل جيدة إن عرفت كيف تستغل قدراتك. أما أن تبقى خاملاً لا تفكر، فتبقى مرؤوساً إلى الأبد لمدير فاسد، أو مشترياً صغيراً من بائع بلا ضمير، فالذنب ذنبك لا شك، فكم من مصادر بديلة وأحسن. لكن يبقى الأصل أصلاً والحق حقاً، وأعني أن الحل كله في التربية ومكارم الأخلاق، هذه التي لا بديل لها إطلاقاً، فما الذي ينفع في أن ننتظر عمراً حتى ننتقم سوى حرق الأعصاب ؟ لهذا فإننا كلنا مدعوون إلى تبني الفضيلة في حياتنا، بدءاً من صدر الوالدة الحنون (بعيداً عن لبن الأبقار ) وانتهاء بأكبر مسؤولية نتولاها في حياتنا، إذ لا رادع سوى الأخلاق، ومن ماتت أخلاقه مات...



alfrrajmf@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد