اقتضت عدالة الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان على نفسه بصيرة، وأن يكون عارفا طريق الخير والشر حيث جعل له السمع والبصر والفؤاد أدوات يستطيع بها أن يميز ويتفكر ويعقل وبالتالي يهتدي إلى الطريق القويم. والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن تقوم عليه الحجة يوم الحساب. وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على هذا المعنى ومنها على سبيل المثال: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (8) سورة الشمس. كما قال سبحانه وتعالى في سورة البلد الآية «10» {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي طريق الخير والشر.
وقد تردد في وسائل الإعلام هذه الأيام أن أحد المطلوبين أمنيا قد سلم نفسه للجهات الأمنية. ولا شك أن العود أحمد - كما يقولون - لكننا لو أردنا أن نحلل موقف هذا المواطن فلا شك أنه يعد خطوة في الاتجاه الصحيح. ومن ناحية أخرى فإن المسلك الخاطئ الذي سلكه في الأصل كان يتعارض مع المنهج الإسلامي الصحيح حيث وردت آيات وأحاديث كثيرة تشير إلى وجوب طاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم. كما أن هذا السلوك يمثل تنكرا للوطن وجحودا لخيراته وتعاونا مريبا مع أعداء الدين والوطن.
إن أي فرد يذهب إلى جماعة من الجماعات المتطرفة بعيدا عن أرض الوطن دون أخذ رأي العلماء الثقاة أو المسئولين ويبدأ بممارسة أعمال مشبوهة من هناك لا بد أن يكون أسيرا لتلك الجماعة حيث يبدأ بمواجهة عقبات أخرى لم يكن يتوقعها أو يحسب لها حسابا، وشيئا فشيئا حتى يتحول إلى مطية لتلك الجماعة تمرر عليه ما تشاء. كما أن الدعم الذي يلقاه من تلك الجماعة ليس دعما مجانيا أو دعما إنسانيا وإنما هو دعم مسيس يدفع ذلك الفرد الثمن غاليا ضد دينه ووطنه ومواطنيه سواء تم ذلك بوعي أو بغير وعي منه.
وإذا كان الهدف من تلك الرحلة فعل الخير والتقرب إلى الله عز وجل فإن هناك مجالات متعددة داخل الوطن يمكن للإنسان أن يزاولها وقلبه مطمئن. ومن ذلك مساعدة الأهل والأقارب والأصدقاء على قضاء حوائجهم وتلمس رغباتهم. كما أن مجالات العمل الخيري التطوعي متاحة أيضا في هذه البلاد المباركة عن طريق مؤسسات المجتمع المدني وخدمة المجتمع ومنها على سبيل المثال التعاون مع الجمعيات الخيرية والمكاتب الدعوية والدفاع المدني وجمعية الكشافة وغيرها عن طريق المشاركة في فعالياتها وأنشطتها. كما أن التعاون مع المستشفيات عن طريق التبرع بالدم متاح للجميع.
وأعتقد أن الخروج من هذه البلاد إلى مناطق تكثر فيها القلاقل والفتن من أجل عمل الخير لا يمثل الاتجاه الصحيح وإنما يمثل ردة فعل غاضبة لا تلبث أن تزول وسوف يبدأ يكتشف بنفسه خطورة العمل الذي أقدم عليه مهما كانت مبرراته، ثم يبدأ يتمنى أنه لم يتجه ذلك الاتجاه ثم يشعر بالندم والحسرة على ما فات ثم يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما فعلت ذلك. لذا فإنه من الأنسب اختصار المسافة والوقت والمعاناة والعودة إلى الوطن الأم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل أن تزل قدم بعد ثبوتها. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة