Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/05/2010 G Issue 13744
الأحد 02 جمادىالآخرة 1431   العدد  13744
 
هذرلوجيا
جدوى الـ(إجباري)
سليمان الفليح

 

منذ نشوء المجتمعات البدائية الأولى، ومنذ ما قبل التاريخ، لا أعتقد أن ثمة رجلا (يحب) الحرب أو يتوجه طائعاً إليها إلا بدافعين أساسيين: أولهما الحاجة الملحة التي تتسع شيئاً فشيئاً؛ فتتحول إلى رغبة في تحقيق ما هو أكثر من الحاجة إلى أن تصل إلى (الغنيمة) وتتسع إلى رغبة (الكسب)، وإلى أن تصل إلى أقصى حالات (الطمع) فالجشع الأقصى.

وهذا هو المحفز الأولي. أما الدافع الثاني فهو غريزة الدفاع التلقائي عن النفس والمكان والمال، التي تأتي كنزعة ذاتية (إرغامية) للإنسان من قِبل ذاته أولاً، ومن ثم بدافع شبه إجباري من الجهة الموكول بحمايتها سواء أكانت ذاته أو أسرته أو مجتمعه.. ولذلك حينما قامت القبائل والدول والممالك والإمبراطوريات كانت تشكِّل حمايتها من مجموع رجالها كواجب إجباري لتضافر الفرد مع الجميع للدفاع عن المجموع، وكذلك كانت القوى البشرية الهجومية (الغازية) تتشكَّل من ذات المجموع، سواء بالترغيب (الغنيمة) أو الترهيب (القتل، النبذ والاحتقار). ومن هنا نبعت فكرة الجيوش التي تتكون من رجال المجتمع لحمايته أو تحقيق المكاسب له. ولأن الاندفاع للدفاع لدى الفرد أقوى كثيراً من الاندفاع لدى الفرد للهجوم فقد كان الرجال يساقون للحرب ب(القوة) سواء أكان ذلك دفاعاً أو هجوماً، وهذا ما عُرف ب(التجنيد الإجباري)، الذي يتخذ صيغاً شتى في شتى المجتمعات، وحينما وصلت المجتمعات إلى الرقي الروحي كان يدفع الرجال للحرب نشر المبادئ أو حمايتها، سواء أكانت تلك المبادئ دينية ك(الجهاد) مثلاً أو ولائية (للمجتمع والوطن وللسلطة) كرمز يختصر كل القيم الأخلاقية بما في ذلك الوطنية (بكل مدلولاتها النبيلة)، ومنها ربطت السلطات المخولة والقائمة على تشكيل حماية الأوطان تلك العملية - أي عملية التجنيد الإجباري - ب(الخدمة الوطنية)؛ حتى تخفف من وطأة الإجبار وتُحبِّب المجبرين على هذا النمط من الخدمة حتى ولو كانت إجباريةً. وقد رأت السلطات التي جربت هذا النمط جدواه الكبرى في تعميق الرجولة لدى الشباب وتدريبهم على الصبر والتحمُّل وتعليمهم استخدام وسائل الدفاع عن الوطن. ومن هنا فإن التجنيد الإجباري حتى لو لم يؤد إلى (تشكيل جيش قوي)، فإنه يؤدي إلى (تشكيل شباب قوي) يتمتع بميزات الرجولة ك(الصبر والاحتمال، والالتزام والاعتماد على الذات وتجاوز الصعاب وتطويع النفس للتلاؤم مع الظروف والمتغيرات الزمانية والمكانية)؛ لذا فإن مجتمعاتنا اليوم، وفي بعض دولنا الخليجية، بأمسّ الحاجة - اليوم قبل الغد - لتطبيق التجنيد الإجباري.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد