Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/06/2010 G Issue 13769
الخميس 27 جمادىالآخرة 1431   العدد  13769
 
العائلة السعودية: على مفترق طرق!
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

يقول لي لم أعد أحس بمذاق الشاي ولا بلذة الطعام على الرغم من الإمكانات المتوفرة في البيت، من حيث كمية الطعام ونوعيته ولربما طريقة تقديمه، وأقول له أنت من المحظوظين، فلم الشكوى والتشكي؟ فيقول: لكن هناك

عنصراً مفقوداً وأساسياً، فأتعجب وأريده الإفصاح، وماذا يكون ذلك يا صاحبي، فيلقي علي نظرة فاحصة، مقدراً انتباهي المشدود نحوه، وأقول: أنت تسأل عن ذلك الحاضر الغائب؟ فيزيد تحديداً، متحفزاً ومطلقاً آهة: أفراد الأسرة، أقصد العائلة. آكل لوحدي والزوجة لوحدها والأولاد كل لوحده، لكل واحد برنامجه وأجندته الخاصة به، ولكن أين التنظيم، أين مواعيد الوجبات: الإفطار والغداء والعشاء ومواعيد القهوة وجلسات الشاي؟ لا يوجد شيء من ذلك، ثم يصمت فجأة ويعود ليرمقني بنظراته الفاحصة، وأنت لم أفضفض لك، كيف برنامجك وأسرع في الإجابة: شرحك! ويطلق واحدة من آهاته: إذن، الكل في الهوى سوا!

هل هذا الأمر سعودياً، خليجياً، عربياً، أو عالمياً؟ الشيء بالشيء يذكر كنت من سنوات في واحدة من «الديوانيات»، وقال صاحبي: آه في الكويت، قلت نعم مثل «الدوريات» عندنا، بالله قل عن ماذا دار فيها من أحاديث، قلت كنت أتحدث مع أحد الحاضرين عن أمور أسرية وعن الأولاد وقضاياهم التربوية، وكنت أقول له إنه لابد من الحديث معهم كلما أمكن، ولقد فاجئني برده: ولكن وين نلقاهم لنتحدث معهم؟، إما في «داره،» يقصد غرفته، وإلا خارج المنزل، ولم أعجب كثيراً بل قلت: «شرحك»، قال وش تقصد؟ قلت آسف، أعني مثلك مثلك، كما يقال على أية حال.

قلت لصاحبي: المسألة يبدو أنها ليست سعودية والموضوع قد يحتاج حلا دكتاتورياً في التعامل، وبالمناسبة، أتذكر فيلماً كلاسيكياً يعرض وضع أسرة لعسكري أجبر أفراد عائلته على نظام عسكري على مدار الساعة، ثم جاء بمربية قلبت نظامه رأساً على عقب متبعة أسلوباً وتربية فيها من الحزم أحيانا ومن العطف واللين أحيانا أخرى، واستعملت مبدأي العصا والجزرة تبعا لكل ظرف وتحقق هدف المربية، فيما يتعلق بالانضباطية العائلية والعطف والتعاطف بين أفراد تلكم الأسرة.

ثم يقول صاحبي متململاً: دعك من التعميم فلطالما تاهت بنا الأقوال وأخذتنا إلى آفاق رحبة أو ضيقة، لدي نموذج مغاير، أعرف عائلة نمطها الحياتي يمكن أن تنعته بالتقليدي، ولكنه محببا للنفس قريباً من القلب، إلا أنه قد يكون من السهل الممتنع. قلت له: أنت حتى الآن تحيرني، قل لي بربك أين يوجد هذا النموذج في بلادنا الحبيبة، في الجبل أو تحت ظلال النخيل؟، قال: بل في مدن آهلة بالسكان وفي أحياء وفي ضواح، أسرة ليس لديها سائق ولا عاملة منزلية ولا مربية ولا طباخ ولا ولا. ولكن تتكون من أم تحب أولادها وربتهم بطريقة تجمع بين الحزم والمرونة، توقظهم لصلاة الفجر وتتأكد من عدم نومهم بعد الصلاة إلا بعد أن تصنع القهوة العربية ووجبة الإفطار والاستعداد للمدارس أو العمل ومن ليس لديه شيء من ذلك يمكنه النوم بعد الوجبة الصباحية، أما الأب فطبعا هو الرئيس والمدبر والمخطط لشؤون أسرته، وكذلك شأنهم في الرحلات والنزهات، يشارك فيها أفراد العائلة مجتمعين دونما استثناء. ويتوقف عن الكلام ويحدقني بواحدة من نظراته الفاحصة وظننت أن لم يعد لديه ما يضيف، ولكنه يفاجئني بسؤال: ما رأيك؟

قلت: إذن نحن لا نزال بخير، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فلربما أن الحياة لابد أن يعتريها شيء من النقصان: إذ لدينا نموذجان من الأسر: أحدهما لديه من الإمكانات المادية الشيء الوافر ولكن يعتريه نقص في الترابط الأسري، وآخر تعوزه الإمكانات ولكن يتمتع بروابط عائلية قوية. فتنهد صاحبي وقال: صحيح أن الحياة مبنية على الأخذ والعطاء ولكن هذا لا يطمس الحقيقة التي نحن بصددها والمتمثلة في أن قوة المجتمع في قوة الأسرة وقوة الوطن في قوة المجتمع، نريد المزيد من البحوث الرصينة، فأين الباحثون في شؤون الأسرة في بلدنا، وأين مراكز البحث وكراسيه؟، قال صاحبي: الله المستعان.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد