Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 
الأملحيون!
رمضان جريدي العنزي

 

الملح معدن شفاف هش استخدم منذ العصور القديمة لإعطاء الطعام مذاقة ولحفظه، يتركب الملح من عنصري الصوديوم والكلور، يكون الملح عادة بلورات صافية على شكل مكعبات كاملة التكوين، والملح نوعان أحدهما بحري والآخر أندراني، والملح رخيص الثمن لكنه عظيم الفائدة، ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا،

وللملح مفعول أكيد على نظافة الجلد والأسنان والأظافر، كما أنه يساعد على التخلص من الخلايا الميتة، وتنشيط الدورة الدموية، وله فوائد أخرى عظيمة وجمة متعددة ومتنوعة. بالطبع بعض المعلمين ليسوا كالملح، وليسوا كفوائده، سأغضبهم هذه المرة، ولن أصطف معهم ولن أنصرهم ولن أرفع لهم راية، سألتقمهم مثل عصا موسى التي سرطت أفاعي السحرة، وسأجبرهم على الاستسلام بسلاح منطقي وعقلي، لأنهم بالتأكيد لا يشبهون الملح ولا حتى الخردلة، ولأن لهم أطرا ضعيفة وضيقة وطرية، ويشبهون العميان الذين لا يعرفون الحقيقة التي أمامهم كاملة، لست عدوا لأحد، ولن أتجنى على أحد، لكنني أنظر باشمئزاز إلى كل معلم يحدث نفسه بالتقصير والتهاون في أداء واجبه التعليمي المقدس معتبراً وظيفة التعليم مجرد وظيفة معاشية وقتية وحسب، في هذه الحالة وحوش الفلاة وهي أم البراري تصبح أكثر إنسانية من كونه إنسانا ومعلما، لأنه يقينا متسربل بالجهل وتابع له، يعمل بقصور عقلي وفكري وبلا وعي وبلا وطنية ولا تنوير ولا ثقافة متميزة.

إن بعض المعلمين لو وضعناهم على سرير الطب النفسي فسوف تكون النتائج حتما كارثية، إنهم يشبهون الغربان الناعقة التي بلا صوت، منذرة بهطول أمطار كآبة المكان ووحشته، وحزن رسالة أخيرة لمنتحر آثر أن يرميها في البحر ليهرب إلى لجة الحياة وموتها القسري من جديد، إنهم يشبهون الشهيق الطويل الذي لا ينتهي، أو لحظة التأمل التي ليست معنية بزمان ولا بمكان، إن على المعلم أن يمارس عمله ودوره التربوي الذي تعب واشتغل من أجله بقوة إيمانية مضاعفة لها مكونات الثقافة لتشكل بهيبة مكونات الطفل المتلقي، مثلما تشكل هذا الطفل نفسه من داخل رحم أمه جنينا الى حين ولادته، إن على المعلم أن يعلم جيدا أن الطفل سيكون في قابل الأيام الرجل الفاعل والقيادي وسط مجتمعه وناسه، لذا نريد أجيالا قوية قادرة وفعالة وليست أجيالا ممسوخة ومريضة وعبئا ثقيلا همهم صناعة الأوهام والبؤس والتقهقر، وسرقة الأحلام والأعمار في مشاريع وهمية وتسكعات لاهية واهية لا تفيد أحدا، إن قراءتي الواقعية لمسيرة بعض المعلمين تكشف عن وقائع مؤلمة، في التواطؤ المقصود وغير مقصود من أجل أخراس طموح الطفولة الحرة في التزود بالمعرفة من كافة مصادرها وتياراتها.

إن الفكر لا يمكن أن يمارس حريته إلا في ضمن حماية وتأهيل ثقافي كبير، إن مهنة التعليم في العموم هي مهنة شاقة ولها أبعاد مختلفة ذات أهمية بالغة للوصول بها إلى الأهداف المنشودة والمبتغاة، إن على بعض المعلمين أن يدركوا أن التعليم رسالة مقدسة وخطيرة وهي تتميز عن غيرها من المهن، ذلك بأن المهن تعد الأفراد للقيام بمهام محددة في نطاق مهنة بذاتها، بينما تسبق مهنة التعليم المهن الأخرى في تكوين شخصية الأفراد قبل أن يصلوا إلى سن التخصص في أي مهنة، إن الكثير من الناس يصفون مهنة التعليم بأنها المهنة الأم، فنجاح هذه المهنة أو فشلها أو نكوصها إنما ينعكس سلبا على المجتمع عموما، لأن المعلم هو أداة التغيير في المجتمع وهو مؤسسة ثقافية اجتماعية تربوية دينية هدفها بناء المجتمع، وانطلاقا من سلوك المعلم هو في أساسه سلوك تربوي اجتماعي، حيث إن التربية هي عملية إعداد الطالب للحياة الاجتماعية، إنني أطالب وزارة التربية والتعليم بإلحاق بعض المعلمين بدورات خاصة في كيفية احترام العمل التعليمي وتجسيد مفاهيم النزاهة والشفافية، والكشف الدوري على حالته النفسية للتأكد من خلوها من الاضطرابات والتقلبات والأهواء والميول والاتجاهات، والإعداد الاجتماعي الجيد للمعلم من أجل تمكنه من أداء عملية التعليم كعملية اجتماعية، بحيث يؤدي دور القيادة كدور توجيهيي وإرشادي وتثقيفي بعيدا عن الأفكار الصفراء المريضة المزيفة والدخيلة والأمراض والتعقيدات النفسية والعفن المنطقي والفكري واللغوي، إننا في بلدنا نمر بعملية تطور في الحياة مما يجعل المدرسة مركزا مهما من مراكز الإصلاح والتثقيف والتأهيل والتنوير، وهذا يدعونا بقوة لجعل المعلم عاملا مهما من عوامل النهضة والبناء تعتمد عليه الدولة في تحقيق أغراضها وبلوغ غاياتها لتحقيق الرقي الاجتماعي، إن مسؤليات التعليم مسؤليات جسام، لهذا لابد من اختيار المعلم الكفء الذي يتمتع بشخصية مستقرة منفتحة، قادرة على البذل والعطاء والابتكار والتجديد، ويتصف بثقافة عامة، وإعداد أكاديمي متنوع وكاف، متفهم لحاجات الطلاب، وخصائص نموهم، مهيأ لاكتشاف مشكلاتهم ونقاط ضعفهم، قادر على توجيههم وإرشادهم، وتيسير التعلم لهم، وابتكار لغة التحدث معهم، واستقطابهم، وبث روح المغامرة والتحدي لديهم، بعيداً عن إرهابهم النفسي والتسلط والاضطهاد والجبروت، وهذا الأمر يحتاج إلى مجموعة من المهارات والقدرات ليتمكن المعلم من القيام بدوره المرتقب بل يحتاج الى دافعية من ذات المعلم لأن يطور ويجدد ويغير من نفسه وأدواره، إن للمعلم دورا أخلاقيا وإنسانيا ودينيا في بناء الجذور والبنية الأساسية للمجتمع ولابد من اجتهاده ومتابعته وتعقيبه حتى تتبلور المنظومة التربوية والتعليمية لتصبح صحيحة وفعالة، وحتى تكون الأجيال القادمة فعالة ومبدعة في بناء الوطن والأخذ به نحو التطور والتمدن التاريخي للحياة الاجتماعية.

إن طلابنا بحاجة ملحة إلى المعلم الذي يشد من أزرهم تجاه التحديات والمحن التي تواجههم في حياتهم اليومية، لا إلى من يغذي فيهم روح التطرف والتذمر والغوغائية والتمرد والعصيان والتسكع والخواء الروحي وعدمية الإنتاج، إنهم يحتاجون الى المعلم الذي يطفئ في نفوسهم لهيب الأنانية والكره والبغض وكره الآخر، لا إلى من يؤجج التناحر والتباعد والتباغض والتنابذ والتضارب في كل الأشياء والأمور، إن دور المعلم كدور صاحب الأمانة حيال أمانته، فكلمة الحق والعدل والنزاهة والاعتدال أمانة في فمه وفي ذاته وفي طرحه، حتى تؤتي الأشياء أكلها ويؤدي هو بنفسه دوره التعليمي التربوي السليم المقدس والخالد، فيكسب عندها مرضاة ربه ووطنه ومجتمعه وضميره، بعدها لن أغضب على المعلم وسأصطف معه وأنصره وأرفع له الرايات وسأقبله على جبينه مابين العين والعين.



ramadanalanezi@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد