Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 

دفق قلم
بين التوجيه والفتوى
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

قال لي صاحبي: قرأت ما نُشر لك من شعر ونثر حول الاستعجال في الفتوى، وتسارع بعض المشايخ إليها، ووجدت نقدك لهذا الأمر صحيحاً، لأنني أصطلي كغيري من الناس بفتاوى الفضائيات المتضاربة، المتناقضة أحياناً التي تصيب المتلقي بالاضطراب، والحيرة، وعدم القدرة على تحديد المسار مع هذا المفتي أو ذاك، ولكنني أرى أن هذه بَلْوى قد عمَّتْ وطغت، لأن معظم البرامج الإذاعية والتلفازية تقع في هذه المشكلة، فهي فتاوى بصورٍ مختلفة، وصيغ متعددة، فهذا طبيب نفسي يتجرأ على إصدار بعض الفتاوى الشرعية المتعلِّقة بمجاله، وهذا مصلح اجتماعي يفعل مثل ذلك، وهذا أستاذ في التنمية البشرية يتجاوز الحدَّ فيقع في خطأ إصدار بعض الفتاوى، وهكذا صارت المشكلة كبيرة، حتى أصبحت أشعر أنَّ علاجها صعب المنال.

ثم قال لي: اسمح لي أن أقول: إنَّك وقعت في هذا التسرُّع حينما سألك سائل عن الشعر فأخذت تفتيه بأهميَّة الشعر في حياة البشر وتستشهد بالآيات والأحاديث وأقوال بعض السلف حتى أشعرتني أنني، أشاهد برنامج فتاوى، وليس برنامجاً أدبياً، بل وأذكرك بردك على سائلةٍ شكت أنَّ أباها يريد أن يجبرها على الزواج من ابن عمها، مع أنه غير مستقيم السلوك، وهي لا تريده وإنما تميل إلى رجل آخر من جماعتها لما فيه من الخيرية والصلاح، فقد أجبتها إجابة المفتي، مع أنك تنتقد المشايخ المتسرعين في الفتوى وهم متخصِّصُون في العلوم الشرعية، وأنت لست متخصِّصاً فيها؟ وأرجو أن تعذرني على صراحتي معك.

قلت لصاحبي: أحسنت كلَّ الإحسان في صراحتك ونصيحتك، فنحن بحاجة مَاسَّةٍ إلى ذلك، ولكن اسمح لي أن أوضِّح لك الفرق بين التوجيه والنصيحة، وبين الفتوى، فالفتوى إصدار حكم شرعي في أمرٍ من الأمور، أو مشكلة من المشكلات، أو نازلةٍ من النوازل، وهي بهذا التحديد مسؤولية عظيمة تحتاج إلى التأنِّي، والإحاطة بالموضوع من جوانبه كلِّها قبل إصدار الفتوى بالحل أو الحرمة، أو الإباحة أو الكراهية.

أما التوجيه والنصيحة فهي متاحة لكل ذي علم ومعرفة وخبرة وتجربة مع مراعاة الصدق والأمانة والبعد عن الغش، ولهذا قيل «المستشار مؤتمن» و»الناصح مؤتمن»، ولإيضاح هذا المعنى يمكن أن أذكِّرك بإجابتي عن سؤال تلك الأخت التي شكت إليَّ ظلم أبيها لها، وإنما سألتني لأنني كنت أتكلَّم عن دور الأدب في معالجة القضايا الاجتماعية، والمواقف الإنسانية، وأهمية الرؤية الإسلامية في الأدب، وطلبت مني أن أقدِّم نصيحةً لها، فأجبتها بما يلي:

1- نصحتها بأن تتحدث عن أبيها بعباراتٍ لطيفة تحترم بها حقَّ أبوَّته العظيم - مهما كان قاسياً عليها - وقلت لها: إنَّ الأصل أن تثق برأي أبيها فيمن يتقدَّم لخطبتها، لأن الأصل في الأب السويّ أن يكون حريصاً أشدَّ الحرص على مصلحة أولاده بنين وبنات، فلو أن بنتاً مالت إلى الزواج من رجل، ثم تبيَّن لها من أبيها عدم صلاحه، لها، وعدم موافقته على زواجها منه لأسبابٍ واضحة مقبولة، فإنَّ عليها أن تغلِّب رأي أبيها وطاعتَه على رغبتها وهي بذلك مأجورة مشكورة.

2- نصحت الأب بأن يتقي الله في بنته إن كان كلامها صحيحاً وذكَّرته ببعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة التي أعرفها، وببعض التجارب البشرية في هذا المجال.

وهذا كلُّه من باب التوجيه والنصيحة، وليس من باب الفتوى وشتَّان بين الأمرين، وهذا يصدق على كلامي عن موقف الإسلام من الشعر.. وما زلنا نؤكد أنَّ التسارع في الفتوى مشكلة تحتاج إلى حلول جادَّة وأنَّ توحيد مصادرها في بلادنا مطلوب جداً حتى نبعد الناس عن الاضطراب والحيرة، وسوء الظن بالعلماء، والتشكيك فيهم.

إشارة:

نحن لا نرسم أفقاً واحداً

إنما نرسم آفاق أمم

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد