Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/06/2010 G Issue 13786
الأحد 15 رجب 1431   العدد  13786
 
الخبراء.. القديمة.. والجديدة
د. محمد الصالح العبد الله العريني

 

بدعوة كريمة من رئيس بلدية مدينة الخبراء والسحابين الأستاذ - إبراهيم بن صالح القريشي قمت بزيارة لهذه المحافظة في صباح يوم الأربعاء 28-5-1431هـ وبصحبة رئيس البلدية سعدت بزيارة للخبراء القديمة والجديدة. وفي البداية يجب أن أنوه بأن (الخبراء ورياض الخبراء) هما مدينة واحدة بأرضها وحماها ومراعيها وسكانها وأسرها وإمارتها كانت ولا تزال، إلا أنه مع التوسع العمراني والنهضة الحديثة وزيادة عدد السكان فصلت هاتين المدينتين إدارياً في أواخر التسعينات الهجرية.

تقع بلدة الخبراء القديمة على خط العرض 26.2 وخط الطول 23.4 في موقع مميز على الضفاف الشمالية لوادي الرمة الشهير وتبعد عن بريدة 60 كم وعن عنيزه 40كم وعن الرس 20كم وعن البكيرية 10كم.

والخبراء من بلدان القصيم القديمة واختلف المؤرخون في سنة بدء عمارتها فأقدم الأقوال سنة 995هـ وأول بئر حفرت فيها سنة 1009هـ أما المؤرخ إبراهيم بن عيسى فذكر أن عمارة الخبراء عام 1140هـ وكانت تسمى في العصر الجاهلي « خبراء السدر « ومن أسمائها: « خبراء المجادير « « وخبراء الجال «.

ولهذا كانت منطقة جذب سكاني وسرعت عمارتها خلال مدة وجيزة، وتمددت نحو الغرب فعمرت رياض الخبراء وتكاملت البلدتان حتى وصل امتداد المزارع من شرق الخبراء إلى غرب رياض الخبراء حوالي 15 كم في أوائل القرن الرابع عشر الهجري وهذه مساحة واسعة جداً بمقاييس ذلك الزمن.

وموقع بلدة الخبراء القديمة جنوبي طريق القصيم المدينة القديم بحوالي 1كم في منطقة مكشوفة مرتفعة نوعاً ما وإذا امتلأ وادي الرمة بالمياه دار حول الخبراء القديمة (تقريباً) وهذا ما كان يعطيها موقعاً مميزاً إستراتيجياً بالكشف عن الأعداء قبل وصولهم.

واشتهر أهلها بالكرم والشجاعة وامتهنوا الزراعة والتجارة والرعي، واغتربوا مع العقيلات إلى الشام ومصر والعراق وغيرها بحثاً عن الرزق والعيش الرغيد في وقت كانت بيئة «نجد» طاردة لسكانها بسبب الجوع والفقر والحروب. ولما توحدت المملكة بقيادة المغفور له الملك عبدالعزيز (رحمه الله) وحل الأمن وزادت الخيرات رجعوا لبلادهم وساهموا في التنمية.

وبلدة الخبراء القديمة كل بيوتها من الطين فلا يوجد أثر للإسمنت في بنيانها.

ويبلغ قطر السور (العقدة) 1 كم متر تقريباً ويبلغ سمكه من الأسفل 80 سم ومن الأعلى 40 سم وبعلو 6 أمتار، وله أربعة أبواب:

في الغرب - الباب القبلي

وفي الجنوب - باب مكة

وفي الشرق -باب المحمل (عنيزة)

وفي الشمال - باب كركوك (الشعفه)

ويقسم البلدة أربع شوارع رئيسية هي: وهي باب « قبة العمر»، وباب «قبة الصلحة»، وباب «قبة السبيت»، وباب «قبة النويصر»، ويوجد فيها تقريباً عشرة آبار (حسو) وبلغ عدد سكان البلدة شاملاً رياض الخبراء في منتصف القرن الثاني عشر تقريباً 3500 نسمة و200 أسرة خارج البلدة في المزارع. وتعتبر البلدة هي الأصل لغالبية سكان مدينتي رياض الخبراء والبدائع وخصوصاً العليا والوسطى، حيث مع زيادة سكانها تمددت نحو الغرب فعمرت رياض الخبراء ثم البدائع في جنوب وادي الرمة والتي تمت عمارتها مع بداية القرن الرابع عشر الهجري.

واشتهرت الخبراء بحنطتها المميزة وكانت تعرف في سائر منطقة نجد باسم «معية الخبراء» أو «عيش الخبراء»، ويروى أنهم استوردوها من الصين عن طريق الهند والبحرين ثم انتشرت في البلدان.

وتعتبر الخبراء هي البلدة الوحيدة في المملكة والتي نزح كل أهلها إلى مخطط جديد يبعد عنها حوالي كيلو مترين ونزعت ملكية مبانيها بموجب الأمر السامي 25054 في 26-10-1400هـ وذلك بموافقة المقام السامي على نزع ملكيات المباني ومنح أراضٍ أخرى لساكنيها.

ومما ساعد على ذلك هو دعم الدولة الرشيدة من خلال الصندوق العقاري الذي بدأ عمله عام 1395هـ بإقراض المواطنين لبناء بيوت حديثة.

وفي الإحصاء الذي أجرى عام 1395هـ لبلدة الخبراء (فقط) كان كالتالي: عدد المساكن 335 مسكناً. عدد السكان 2369 نسمة. الجوامع (1) - المساجد (2). مصليات العيد (1) - المقابر (1). (1) مدرسة بنين افتتحت عام 1369هـ (1) مدرسة بنات افتتحت سنة 1387هـ.

وعدد المحلات التجارية: 59(دكاناً)، ولا تزال بعضها قائمة أطلالها، مما يؤكد على أهمية البلدة قديماً ومركزها التجاري فعدد 59 دكاناً كثير جداً على عدد سكانها - بل هذا العدد الكبير من الحوانيت دليل على كثرة مرتادي سوقها وشهرتها كبلد تجاري عند أهالي المنطقة من بادية وحاضرة.

ومن المواقع الأثرية:

-البرجان الواقعان في الجانب الشرقي من بقايا السور (العقدة) الموصل بينهما، بالإضافة إلى المقبرة القديمة.

-البرج الواقع في الجهة الشمالية.

-البيت المعروف ب « قصر النويصر « بشقيه.

-بيت العويرضي ودكان العوهلي بوسط البلدة.

ومن الآثار التي كانت موجودة: (المدرسة العسكرية) والتي أنشئت في منتصف السبعينات الهجرية وكانت في مكان يدعى « الخبيب» بين الخبراء والسحابين، وقام ببنائها: الوجيه صالح العبدالرحمن الميمان، واستمرت حتى ألغيت المدارس العسكرية في الثمانينات الهجرية، ولكن هذه المدرسة أزيلت (وللأسف) وأقيم مكانها مزرعة.

وقد تخرج منها عدد كبير من الضباط الذين خدموا دينهم ومليكهم ووطنهم، ولازال بعضهم في خدمة هذه البلاد الطيبة ومنهم: الفريق الطيار صالح بن محمد السديس قائد المنطقة الغربية سابقاً (متقاعد)، وكذلك الفريق الركن حسين بن عبدالله القبيل مساعد رئيس الأركان العامة.

وكان ولا يزال أهل هذه المدينة يساهمون في البناء والتنمية لمملكتنا الحبيبة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر معالي الشيخ عبدالله السليمان الحمدان (الوزير) حيث تنتمي أسرته إلى هذه المدينة ولا زالت مزارعهم (الحمدانيات) معروفة في الخبراء، وهو من أهم رجال الملك عبدالعزيز (رحمه الله) والذي كان له دور كبير في تأسيس الوزارات وبناء الدولة الحديثة.

وكذلك معالي الشيخ محمد العبدالله النويصر رئيس الديوان الملكي سابقاً، والمعروف بحنكته الإدارية وأياديه البيضاء معروفة ومشهورة.

وخلال أكثر من ثلاثين عاماً منذ نزوح أهلها إلى مخطط الخبراء الجديدة طالت أيدي العابثين البلدة القديمة فنهبت بعض العينيات التراثية منها وكذلك استعير بعض من آثارها لقرية الجنادرية التراثية ولم تُعَدْ لها. وقد تم تسليم المواقع والمباني الأثرية التي في البلدة القديمة « التراثية « لوزارة المعارف - قسم الآثار (هيئة السياحة والآثار حالياً) بالمحضر المعد بتاريخ 3-4-1402هـ.

وفي مجال إحياء التراث المعماري للبلدة ومحاولة تأهيلها كان ولا يزال لبلدية الخبراء دور مميز في المحافظة على التراث المعماري لبلدة الخبراء التراثية بإحياء فكرة تأهيلها وإدراجها ضمن القرى التراثية على الخريطة السياحية لمملكتنا الحبيبة. وكان للبلدية دور فاعل ومؤثر في إقامة المهرجانات التفاعلية بساحة (مجلس) الخبراء التراثية. وكذلك دعوة الأهالي والزوار في المناسبات والأعياد لربط أهالي المنطقة بماضيهم والاحتفاء بتراثهم ولإدراك معاناة الأجداد ومعرفة الفروق كيف كانت معيشة الآباء والأجداد وكيف تحولت إلى رغد العيش الكريم والتطور في كافة المجالات بفضل الله ثم دعم الحكومة الرشيدة (رعاها الله) السخي لرفاهية المواطن.

كما أنه مع اكتمال تأهيل القرية التراثية «الخبراء القديمة» سيكون له أثر كبير وفائدة عظيمة في الاستفادة منها لعمل الأفلام الوثائقية والتمثليات التاريخية والفعاليات التي تحكي سيرة أهلنا الأولين وأجدادنا الكرام وبيوتهم ودكاكينهم ومساجدهم وساحات القرية النجدية الأصلية وعرضها على أجيالنا المعاصرة والأجيال القادمة. ولجعل فكرة تأهيل «الخبراء التراثية» قيد التنفيذ فقد سعت البلدية مشكورة بالتضامن مع جهاز السياحة بالقصيم بتنفيذ عملية التأهيل للمحلات التجارية بساحة البلدة (المجلس) وجزء من السور القديم (العقدة) والمسجد الجامع وبعض البيوت القديمة والبنية التحية للبلدة وتم البدء في التنفيذ في شهر رجب 1429هـ.

وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة الآثار والسياحة في العام الماضي بزيارة للموقع وأثنى على الجهود المبذولة من البلدية والأهالي وشجعهم وحثهم على مواصلة العمل لاستكمال تأهيل البلدة. وخلال زيارتي للبلدة وتجوالي مع سعادة رئيس البلدية الأستاذ - إبراهيم القريشي ذهلت من الجهود الجبارة لإعادة تأهيل هذه البلدة التراثية والتي تشكل نموذجاً مميزاً للقرية النجدية.

ولكن هذه الجهود لا تكفي وحدها حيث إن المشروع كبير جداً والتأهيل يحتاج إلى مضاعفة الجهود ودعم أكبر وأكثر مما رصد له لإظهار هذه القرية التراثية بمظهر جميل متكامل وليغطي كامل البلدة.

وأما الخبراء تقع في شمالي البلدة القديمة وتبعد عنها حوالي كليو مترين ويحدها من الجنوب خط القصيم المدينة القديم ومن الشمال خط القصيم المدينة السريع. والخبراء الجديدة ظهرت وخطط لها مع بداية عمل الصندوق العقاري عام 1395 بمخطط جميل بشوارع واسعة وساحات ومنتزهات وحدائق كبيرة وخضراء جميلة. والمدينة الآن تطورت مع النهضة التي تعيشها مملكتنا الحبيبة فالمدارس بجميع مراحلها للبنين والبنات والإدارات الحكومية شبه متكاملة. وتسعى البلدية جاهدة لتحسين المدينة وتجميلها وزيادة الساحات الخضراء وتحسين الشوارع والصرف الصحي للأمطار وخلال زيارتي سعدت بالاطلاع على منتزه «جهامان»، وهو مرتفع رملي (نفود) غربي المدينة وبارتفاع يقدر بـ 14 متراً يطل على المدينة والمزارع والوادي والطرق السريعة. وكذلك قمت بزيارة «دار الضيافة» التابعة للبلدية والتي أعدت إعداداً جيداً وبمواصفات فندقية عالية الجودة ومؤثثة بأثاث فاخر يحتوي على غرف وصالات كبيرة للضيافة ومشب وغيرها من الخدمات لخدمة ضيوف المدينة. وتشرفت بزيارة المنطقة الصناعية والمسلخ الجديد المجهز بإشراف طبي وأدوات حديثة ومسجد نظيف.

وأخيراً وبعد ما سعدت وتشرفت بزيارة هذه المدينة بصحبة الأستاذ - إبراهيم بن صالح القريشي رئيس البلدية (والذي لم أتشرف بمعرفته من قبل) أقولها بصدق وتجرد: لقد بذل هذا الرجل ولا زال يبذل المزيد من الجهود الجبارة للرقي بمدينته نحو مصافِّ المدن الجميلة والكل يشهد له بتميز إدارته وحرصه الشديد على إنجاز الأعمال المناطة بالبلدية بكل جد وجهد وتفانٍ، فسدد الله خطاه وألف شكراً له مني وممن واجهت من الأهالي لإظهار «الخبراء» موطن الأباء والأجداد بمنظر يليق بسمعتها وتاريخها للمشاركة في التنمية الوطنية في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني (حفظهم الله وسدد خطاهم).

وبمتابعة دائمة من أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي فيصل بن بندر ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل.

فوفق الله الجميع وسدد بالخير خطواتهم.

وفي الختام فإنني أضع «تاريخ الخبراء القديم» أمام الباحثين وطلاب الدراسات العليا مادة للدراسة والبحث العلمي لما فيها من ثراء تاريخي وعلمي يستحق البحث والدراسة.





m.aloraini@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد