إنه ذات المشهد الدرامي يتكرر..
الرجل في قمة العصبية، يلقي على زوجته لفظة الطلاق، طالق.. طالق.. طالق..
أو المرأة في قمة الإحباط واليأس.. طلقني.. طلقني.. طلقني..
وتنتهي مع ذلك المشهد بكل بساطة.. حكاية أسرة
بأربعة حروف فقط، وكم هي رخيصة هذه الحياة حين ينتهي مشروع العمر بأربعة حروف، خط النهاية يمكن أن يكون قريبا بقرب الحروف الأربعة من ذهنية رجل لا يتحكم بطرف لسانه.
يمكنني أن أسميها ثقافة الطلاق، حتى المسلسلات العربية تحاول تغذية مفهوم الطلاق، بل ويتم توظيفه وتغليفه على أنه الحل الأمثل والدواء السريع للمشكلات الزوجية، وأحياناً يتم إدراجه في الأعمال الكوميدية على أنه للمزح والهزل، وفي أعمال أخرى هو سوط تخويف وتهديد ولعب بأعصاب الأنثى.
هذه قضية أسرية تمس كل بيت سعودي، لكنها في الوقت ذاته قضية ذات تشعبات كثيرة، ومن الصعب حصرها في مقال واحد.
وسأتناول هنا قضية الاختلاف في نظرة المجتمع للمرأة المطلقة عن الرجل المطلق، من حيث المنظار الذي ينظر من خلاله المجتمع لكل منهما.
المرأة على الأغلب هي من تدفع ثمن الطلاق غاليا، من عمرها ومن زهرة شبابها ومن قلبها الذي يتفطر حزنا، ومن مستقبلها الذي يلفه ظلام قاتم، ومن الطرق المشرعة للحياة توصد أمامها فجأة، ومن فلذات كبدها يصادرون من بين يديها قهراً، ومن مالها المستحق صداقاً يتبخر في أحيان كثيرة على تكلفة المكاتب القانونية والمحامين.
وحده الرجل لا تثريب عليه في معركة الطلاق، هو غالباً يخرج منتصراً، وهكذا نحن الشرقيين، ننصف ذكورتنا على حساب كل شيء، حتى لو كان ذلك الشيء هو نصفنا الثاني.
يستطيع الرجل الذي طلق في الليل، أن يتزوج من النهار الثاني بأجمل الجميلات، ولا يعيبه أبدا كونه مطلق، وحدها المرأة هي التي تسجن داخل قفص (مطلقة)، وستسمع من بعيد من يزهد في الزواج من مطلقة!! وأتساءل هنا، لماذا نحن أمة الميزان والعدل والقسطاس المستقيم، نضع ذلك كله جانبا، حينما يحضر العرف والتقليد؟
هل شرع الإسلام الطلاق كمفتاح حرية للرجل الظالم؟ وكقفل قفص للمرأة المظلومة؟
هذا استفسار في غير مكانه، فشريعتنا أعدل وأنصف وأرحم، كل الأمر هو أن العدالة الإلهية لا يتم توظيفها وتطبيقها بوجهها الصحيح كي يأخذ كل ذي حق حقه.
نحن من ربينا وغرسنا في تربة ذكوريتنا مفاهيم مغلوطة عن الطلاق، وجنينا ثمار غراسنا في الكبر، أسر مفككة، وأطفال تتلقفهم الشوارع، ومكلومات في ذواتهن لا تستوعب دموعهن أقطان الوسائد، وأضيفوا إلى السلة ما تعرفونه وتسمعونه من تبعات الطلاق ومآسيه الاجتماعية الرهيبة.
الطلاق هو بمثابة علاج شرعي يوصف بأنه أبغض الحلال عند الله، وهو بمثابة الحلقة الأخيرة عندما يكون مسلسل الزوجية مأساويا، أو هو» الكي « بعد أن تفشل كل أدوية العلاج وأساليبه، لكنه أضحى اليوم وسيلة تهديد من الذكر على الأنثى، وفي بعض الأحيان يحضر الطلاق كيمين توكيد رخيصة برخص ثمن رغيف خبز عبارات من نوع (علي الطلاق أن أفعل كذا وكذا)، بل ويتحول الطلاق أحياناً إلى سيف مسلط على رقبة المرأة، تشعر معه بأن الزواج الذي لجأت إليه للاستقرار والعفة مهدد بأن ينهار عليها سقفه في أي وقت، وبأن عشها الذي تعبت تبنيه سنين وسنين، معرض للتبعثر مع أول نفحة هواء!
نحن نحتاج لحزمة جهود مخلصة، أفراد ومؤسسات، محاكمنا وقضاتنا الفضلاء وهيئة حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونظامنا التعليمي وقبله نظامنا الأسري، جميع أولئك وغيرهم، تقع على عواتقهم مسؤولية إعادة الهيبة المفقودة لمؤسسة الزواج، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، إلا تفعلوه، فإن هذا الشاب المستهتر يحسب أن المرأة قطعة أثاث مركونة في آخر زاوية البيت، يستعملها ثم يرميها في مزاد، لكنه للأسف مزاد مغلق، مغلق لأنها مطلقة.. ونظرات الريبة والشك تقتلها، مطلقة.. واستبيحت عذريتها بغلاء، ثم بيعت بأرخص الأثمان، مطلقة.. والليل وحده يلف حزنها ويخفف ألمها، مطلقة.. ويا قلب لا تحزن!!