Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/06/2010 G Issue 13789
الاربعاء 18 رجب 1431   العدد  13789
 
الإبداع في إدارة المنظمات غير الربحية
سعيد محمد العماري

 

تواجه المنظمات العديد من التحديات، نظراً للتقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا وما أفرزه من تغيير اقتصادي واجتماعي وثقافي، مما يتطلب منها إما التكيف مع هذه التحديات، أو الفشل والاندثار، خاصة بعد أن أصبح التغيير حقيقة في حياة المجتمعات والمنظمات.

ويعد مصطلح «الإبداع» من بين أكثر المصطلحات شيوعاً في الوقت الراهن في أدبيات الإدارة، وقد اجتهد العلماء والباحثون في تقديم تعريف شامل له؛ فمنهم من استند إلى السمات الشخصية للمبدع ومنهم من استند إلى مراحل العملية الإبداعية والناتج الإبداعي لها كأساس لمفهوم «الإبداع».

وعادة ما يختلط مفهوم الإبداع مع مفاهيم أخرى كالابتكار، إلا أن الإبداع يتمثل في التوصل إلى حلٍ خلاق لمشكلة ما أو إلى فكرة جديدة، في حين أن الابتكار هو التطبيق الخلاق أو الملائم لهذه الفكرة.

وفي مجال الإدارة لم يتفق العلماء والباحثون على تعريف محدد لمصطلح الإبداع الإداري، حيث أدى عدم اتفاق العلماء حول تفسير مفهوم الإبداع بصفة عامة إلى تعدد التعريفات التي استخدمت لتحديد المقصود بالإبداع الإداري، ولكن يمكن القول إن الإبداع الإداري هو فكرة تتسم بالحداثة والتجديد تنشأ نتيجة الخبرة والإلمام الإداري بواقع المنظمة والمستند إلى معلومات شاملة لأجزاء التنظيم المختلفة وتحليلها مما يتطلب توافر قدرات إبداعية للوصول إلى ما هو جديد ومفيد.

يرتبط إحداث التغيير في المنظمات والمؤسسات التطوعية والجمعيات الخيرية غير الهادفة للربح بالقرارات الإستراتيجية، التي تعني بشكل أساس الإجابة على سؤالين هامين هما، هل تعرف الإدارة العليا في المؤسسة أين تريد أن تذهب؟ وهل تعرف كيفية الوصول إلى ما تريد؟ وتتطلب الإجابة على هذين السؤالين اتخاذ خطوات في أربعة مجالات هي:

- المخاطر والتحديات التي تواجه المنظمة.

- الإستراتيجية التي يجب أن تتبناها المنظمة.

- المدخل والتوجه الذي تستطيع به الإدارة العليا تشجيع وتحفيز مبادرات الآخرين.

- القيادة التي تحتاجها المنظمة.

وتتبع هذه الخطوات خطوة أخرى متقدمة يطلق عليها الموجة الثانية للتفكير، وهو مفهوم يتعلق بأداء المنظمة في مختلف مراحلها، كما يرتبط بمفهوم النقلة النوعية في التفكير غير النمطي، لذلك تمثل هذه الموجة الثانية للتفكير استعادة حياة المنظمة ومراجعة كيفية الأداء فيها، ثم تقدير مدى الحاجة لاجتياز الفجوة في الأداء، وهذا ما يعني باختصار وضع مستوى متقدم جديد تماماً للأداء يشتق من الاحتياج الحقيقي المحتمل لتحسين هذا الأداء، ويتطلب ذلك أن يتوجه قادة المنظمات والمؤسسات والجمعيات التطوعية وغير الهادفة للربح بسؤال لأنفسهم عن أداء منظماتهم ومستوى هذا الأداء، إذ إن الكثير من المنظمات قد تفشل في الاستجابة للتحديات الكثيرة التي تواجهها دون القيام بهذه الخطوة.

ومن الأشياء الجيدة لإدارة مبدعة وغير تقليدية للمنظمات والجمعيات غير الهادفة للربح أن تقوم الإدارة بوضع أهداف جديدة وهو ما يؤدي عادة إلى تغيير وجهة التفكير إلى تفكير خلاق وغير تقليدي يحدث تغييراً إلى الأفضل في المنظمة أو الجمعية.

وهذا الأمر يتطلب استخدام لغة مختلفة لوصف الأفكار الجديدة بل يحتاج أيضاً إلى تغيير توصيف الوظائف ومسمياتها في المنظمة بحيث تؤدي هذه اللغة الجديدة والمختلفة في النهاية إلى تحرير عقول الكوادر البشرية في المؤسسة وأفكارهم بشأن ما يستطيعون القيام به، ومساعدتهم في خلق روح جديدة للثقافة المؤسسية.

وإذا أردنا أن تحقق المنظمة تغييراً فارقاً أو نقلة نوعية فعلية، فإن ذلك يكون عن طريق القيام بشيء مختلف أو القيام بالعمل بصورة مختلفة، ومما يساعد على تحقيق ذلك القدرة على التفكير بأساليب جديدة فيها إبداع وابتكار وتجديد، والإبداع هنا يعني عملية توليد للأفكار، كما يتضمن أسلوباً مختلفاً للتفكير يمزج بين العديد من العناصر، أما التجديد فهو اختيار فكرة أو أكثر من الأفكار التي ولّدها الإبداع وذلك لاكتشاف الإمكانيات المحتملة لها، وعادة ما يكون التجديد مسألة عقلانية ومنظمة بطبيعتها، وتكون مخرجاتها تقديم حلول عملية تطبيقية بحيث تكون نقطة البداية هي التخلص من الأفكار عديمة الجدوى واستبعادها.

وبالنسبة للمنظمات والأفراد فهناك دائماً حاجة لعمليتي الإبداع والتجديد للوصول إلى نقطة التغيير النوعي، حيث ثبت انعكاسهما الإيجابي في حالة توافرهما، ومن هنا فإن اكتساب المهارات اللازمة للإبداع والتجديد في المنظمات التطوعية يحتاج إلى توافر عدة عناصر منها:

- خلق مكان ومناخ عمل مناسب وجذاب.

- إيجاد طرق وأساليب جديدة لمواجهة المشكلات.

- تجنب حالة الجمود.

- بناء الثقة مع الخيرين والجهات المساعدة للمنظمة.

- خلق ثقافة العمل التطوعي والتفاني في العمل.

- استقطاب العاملين الأكفاء وأعضاء مجالس الإدارات والحفاظ على تواجدهم.

وكما تحتاج المنظمات لاكتساب مهارات الإبداع والتجديد فإن الأفراد يحتاجون لذلك بالمثل حتى يتمكنوا من الإحساس بالقوة والتمكين وبناء الثقة وجعل العمل جذاباً ومنتجاً والإحساس بعدم الملل في ساعات العمل الطويلة، بجانب الشعور بالقيام بعمل مختلف.

ومن الضروري هنا التأكيد على أهمية سعي القائمين على المؤسسة لخلق منظمة واعية إذ إن الكثير من المنظمات لا تهتم بالبناء على ما تعلمته ولهذا تعاني من عدم الاتساق نتيجة وجود فجوة بين ما تعرفه وما تفعله، ومثل هذه الفجوة قد تعوق المنظمة عن أداء رسالتها والوصول إلى أهدافها، وكجزء من الحل في مثل هذه الأحوال لا بد أن تتعلم المنظمة من خبرتها الخاصة وتتعلم وتستفيد من خبرات الآخرين وهذه العملية تكون على مستويين، مستوى الأفراد والمستوى المؤسسي، كما يكمن الحل كذلك في تحمل المديرين وأعضاء مجالس الإدارات لمسؤولياتهم الخاصة في مساعدة العاملين والمتطوعين على أخذ المبادرة في إدارة المنظمة وإدارة المخاطر والأزمات بتشجيعهم على اتخاذ المبادرات الملائمة وإدارة مستوى المخاطر المتضمنة والمحتملة.

وليس بعيداً عن ذلك القول إن مهمة وقيادة التغيير تقع على عاتق الرؤساء والمديرين، وحينما توضع خطة التغيير تكون هناك حاجة لتوافر أشخاص ذوي مهارات معينة وسمات خاصة، تتوافر لهم المعلومات، وفي هذه الحالة يحتاج المديرون للتفكير في الأشخاص الذين تتلاءم مؤهلاتهم مع طبيعة العمل، وإذا لم يوجد داخل المنظمة ذلك الشخص الذي يمكن أن يقوم بهذه الأدوار فيجب البحث خارج المنظمة عن الشخص الذي يصلح للقيام بذلك.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن أي تغييرات تحدث لن يكون لها مفعول السحر ولن تؤدي إلى إحداث النقلة النوعية في المنظمة بشكل آني وسريع ولكنها ستكون بداية طريق لخلق إطار مرجعي يمكن أن يحدث فيه التغيير في المنظمة ويساعد على إيجاد بيئة مهيأة للإبداع والتجديد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد