Al Jazirah NewsPaper Friday  02/07/2010 G Issue 13791
الجمعة 20 رجب 1431   العدد  13791
 
نوازع
التعبير عن الفرح والحزن
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

 

يعيش العالم في الفترة الحالية أجواء رياضية ممثلة في كأس العالم لكرة القدم، يتبارى فيها لنيل الكأس عدد غير قليل من فرق نالت حظها في تمثيل بلادها في هذا التنافس المثير، وهي فرق قدمت من دول متماثلة ومتباينة في ثقافاتها وسلوكها الاجتماعي، وجرّت وراءها عددا لا بأس به من المشجعين الذين قدموا من خارج البلد المستضيف جنوب إفريقيا أو من جنوب إفريقيا ذاتها.

وجنوب إفريقيا دولة ذات تقاليد وثقافة خاصة بها، لا سيما أنها تتكون من مزيج متناغم وغير متناغم من ذوي البشرة البيضاء الذين قدِموا إليها قبل قرون وعاشوا فيها مكونين طبقتين، بيضاء لديها السلطة والمال والجاه، وأخرى ليس لها إلا العيش بما تجود به عليهم الطبيعة من نِعَم ظاهرة، حيث لم يتمكنوا أو لم يُمكّنوا من استغلال النِعم الكثيرة التي تحويها بلادهم في باطن الأرض وظاهرها.

أذكر أنني بعد انتهاء الفصل العنصري وتولي مانديلا قيادة البلاد، سارعت لزيارتها بصحبة عائلتي لأتعرف على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في تلك البلاد قبل أن تنتهي آثار الفصل العنصري، فكانت تجربة ثرية وفكرة مدهشة، لا يمكن لأحد الآن بلوغها لأنها ظاهرة، وليست آثار الوضع السائد سابقاً كانت قائمة، فوجدنا من المتعة والبهجة والمزيد من المعرفة ما لا يمكن نيله في الوقت الحاضر.

لن أتحدث عن تلك الأوضاع، فهذا ليس موضوع حديثنا اليوم، لكنها خاطرة مرّت وقرّت فذكرت طرفاً منها.

عندما يرصد المرء المشجعين حين يعبرون عن أفراحهم بالفوز أو أحزانهم من الهزيمة يدرك أن هناك فرقاً بين الشعوب في التعبير، تتجسد عبر سنين متراكمة، فجمهور معين يعبر عن فرحته بتلقائية، ودون قيود والاستمتاع برفع الصوت، والمزاحمة عند حضور مذيع القناة الفضائية بينهم، وتتداخل الأصوات حتى لا نكاد نعرف ما يقوله ضيف القناة من بين الجمهور. وتظهر الرقصات والأهازيج والإبداع الفوضوي، وعندما ينهزم منتخب بلادهم، ترى معالم الحزن بادية على الوجوه، كما أن اللسان يترك له العنان ليقول ما يشاء في حق المدرب أو هذا اللاعب أو ذلك الذي كان أو كانوا سبباً في خروج منتخب بلادهم من هذه المنافسة الكروية العالمية، وربما يصل الأمر إلى السباب واستخدام ألفاظ لا تليق، ولا ننسى أيضاً نصيب الحكم من بعض تلك الملامة وربما الذم والقدح.

من الجانب الآخر، نجد مشجعين آخرين تكتسي وجوههم معالم البهجة عند الفوز، ويعبرون عن نشوتهم تلك بشيء من الروية غير الكاملة، وقد لا نجد ذلك التداخل في الحديث والصياح، وعند اللقاء التلفزيوني يمكن للمستمع أن يعي ما يقوله ضيف القناة، وربما يكون اللقاء مع أكثر من واحد فيأخذ كل فرد نصيبه من الحديث، وهذا الأمر يتم تلقائياً ودون ترتيب مسبق. وفي حال الهزيمة، يتقطب الجبين ويبدو الإحباط على ملامح الوجوه، ويظهر البهتان ويتحدث الضيف بأسلوب يسوده الحزن والألم مع شيء من الانضباط في القول وربما الإنصاف في الحديث عن الأسباب والمسببات والقناعة بما حدث.

والحقيقة أن التعبير عن خلجات الفؤاد تختلف من فرد إلى آخر، لكن لا يمكننا أن نتجاهل أن هناك ظواهر في التعبير تميز بعض المجتمعات عن غيرها، وهناك شعوب تبالغ إن فرحت، وتبالغ إن حزنت، وتبالغ إن مدحت، وتبالغ إن قدحت، وتبالغ إن فخرت، وتبالغ إن استذلت.

وأسأل نفسي دائماً هل ذلك التباين في تلك الانفعالات المفرحة والمحزنة، ينطبق أيضاً على سرعة الغضب من عدمه؟ فهل ذلك المبالغ في الفرح أو الحزن غالباً ما يكون سريع الغضب، وقد يفعل مالا تحمد عقباه، أو يقول قولاً يندم عليه فيما بعد؟ ربما يجيب عن ذلك التساؤل علماء النفس والاجتماع.

وقبل ختام الحديث عن التعبير، لابد لنا من الوقوف حول تلك الأبواق التي يطلقها الإخوان من جنوب إفريقيا والذين أصروا على استخدامها لأنها جزء من ثقافتهم للتشجيع وحث اللاعبين على بذل المزيد من الجهد. لكنها بالنسبة لنا تحمل الكثير من الإزعاج، وما علينا إلا احترام ثقافات الآخرين فربما يجدون فيها من المتعة ما لا نجدها، وكل ميسر لما خلق له.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد