Al Jazirah NewsPaper Friday  02/07/2010 G Issue 13791
الجمعة 20 رجب 1431   العدد  13791
 
التعويض عن الضرر بين الشرع والنظام
المحامي/ كاتب فهد الشمري

 

يمكن القول إن التعويض عن الضرر من أهم المبادئ التي أجمعت عليها البشرية، ولا غرو في ذلك أن كان لنظرية الضمان في الشريعة الإسلامية هذا الاهتمام الكبير من قِبل العلماء والفقهاء؛ وعلى نفس المنوال أقرت العديد من قوانين الدول وغيرها من القوانين الدولية هذه النظرية، ولعل أهم وأبرز أشكالها نظرية المسؤولية التقصيرية، وتعني في أحد أوجه فهمها التعويض عما يصدر بسبب التقصير في أداء واجب من الواجبات.

ومن الجدير ذكره هنا أن الشريعة لم تفرق بين التعويض الناتج عن فعل أو الناتج عن كف، فما ينتج عنهما متساوٍ من حيث النظر، فكل ضرر نتج عن خطأ وثبتت علاقة السببية كان الواجب على المتسبب التعويض عن كافة الأضرار التي وقعت سواء كانت أضراراً مادية ملموسة أو معنوية أصيبه المضرور.من هنا، نص العلماء على قاعدة كلية تعد من القواعد الكبرى في الشريعة الإسلامية، وهي أن الضرر يزال، فإن لم يمكن إزالته كان التعويض عنه واجباً من آكد الواجبات التي أمر بها الشارع، وهذا معلوم من كل النصوص الشرعية سواء القرآنية أو الثابتة في صحيح السنة.

هذا، وقد جعلت معظم الأنظمة القانونية لناظر القضية الحق في أن يقدر مدى التعويض عن الضرر بناء عما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، وكان من أهمها في العصر الحاضر ما يعرف بالضرر الأدبي، فضلاً عن الأضرار الجسمية التي أولتها الشريعة الإسلامية العناية الكبرى، سواء كان تعلق الضرر بفقد الحياة أو تعلق الضرر بإتلاف عضو من أعضاء الجسم أو الانتقاص منه أو إحداث جرح أو إصابة من شأنها أن تخل بقدرة الشخص على الكسب.

فكانت الدية شيئاً من التعويض عن فقد الحياة، وهو ما يؤكده علماء الشريعة، وتبع ذلك الحكم بأروش الجنايات وتقدير الشجاج، وهي أنواع من التعويض، وهو ما يؤكد القاعدة المعروفة: من أفسد شيئاً فعليه إصلاحه والناس لا يصلحون إلا بذلك، وهي مقولة منسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

نعم.. الناس لا يصلحون إلا بذلك، فمبدأ التعويض عن الضرر طالما ثبت بأركانه المتعارف عليها في الشرع أو النظام من أهم المبادئ التي يكون في تحقيقها محافظة كبيرة للإنسان أينما وجد وحيثما حل.

هذا، ولقد غطت القوانين الغربية بخاصة، جانب التعويض عن أي ضرر قد يصيب الإنسان، ذلك أنهم ومن منطلقاتهم رأوا أن الحياة إنما سخرت لأجل سعادة الإنسان فلا يحق لأحد أن يسبب لشخص ضرراً من أي نوع كان، فتوسعوا كثيراً في التعويض للمحافظة على إنسانية الإنسان.

في الوقت ذاته، نرى أن المطالبة القضائية عن التعويض عن أخطاء هي جسيمة بقدر الرعاية التي أولتها الشريعة لإنسانية الإنسان، في بعض بلادنا، مثاراً للتهكم وعدم الاهتمام، وأرى أن ذلك إنما هو بسبب عدم تأصيل مسائل التعويض في واقع الناس من خلال الشرع الحنيف بما يعني حاجتنا الملحة لأن يقوم الباحثون والمتخصصون من بحث مسائل التعويض المستجدة لا سيما الأضرار الناتجة عن أخطاء الجهات الاعتبارية، كالأضرار الواقعة بسبب الأخطاء الطبية والإدارية ونلاحظ أنها تزداد يوماً بعد يوم ولا حياة لمن تنادي.. وكذلك بسبب تقصير الفنادق في مسؤولياتها تجاه النزيل والمحافظة على سلامته وصحته.. إلخ، ويضاف لذلك الأضرار الاعتبارية كإضرار حق السمعة ونحو ذلك، هذه مباحث جديدة جديرة بمن يطرقها من الباحثين، وهو ما نأمل في بحثها أن تكون سبباً مباشراً للارتقاء بالحس القضائي في مملكة الإنسانية، لا سيما إن كانت الحاجة ملحة لمواكبة التطور القضائي في البناء العمراني أن يواكبه تطور في البناء العقلي القانوني.

كما نرى، والرأي للمسؤولين وجهات الاختصاص، أن تقوم الجهات المعنية بإعداد ندوات أو مؤتمرات ودعوة المختصين والمهتمين في هذا المجال وسماع آراء من يهمهم هذا الأمر لنصل إلى المستوى الذي سبقتنا به الدول المتقدمة، ونحن -والحمد لله- دولتنا والقطاع الخاص يملك كل الإمكانيات ولديهم الإمكانيات الحديثة والمتقدمة كي نؤصل التعويض ونجعل منه هدفاً سامياً في موضوع التقاضي، وكذلك من يحكم عليه بالتعويض سواء أكان جهة حكومية أو جهة مدنية أو شخصاً يكون محل اهتمام من قِبل الجهات الأخرى وأخذ المحاذير من الغرامات والتعويض والالتزام بالنظام والحيطة.. الخ.هذا هو مرد من يقع عليه التعويض ومن يستفاد من التعويض.



katebalshammry@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد