Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/07/2010 G Issue 13810
الاربعاء 09 شعبان 1431   العدد  13810
 
القاصرات.. (زواج) في الشرق و(حرية) في الغرب!
محمد بن عيسى الكنعان

 

يرى الغرب في (زواج القاصرات) في الشرق الإسلامي وبالذات الدول العربية صورة من صور سلب حرية المرأة، وشكلا من أشكال امتهان كرامتها باسم العادات والتقاليد وربما الدين،

وفي المقابل فإن (حرية القاصرات) في الغرب المسيحي تعتبر في نظر المسلمين (الشرقيين) صورة من صور استغلال المرأة جسدياً وتسليعها في كل مظاهر المدنية الحديثة. هذه النظرة الناقدة المتقابلة تعكس (واقعاً ثقافياً) يعيشه كل طرف، ويرتبط بموقف هذا الطرف من جوانب رئيسة هي (الفطرة والدين والمجتمع والعلم) بشأن مكانة المرأة الاجتماعية ودورها الأسري ورسالتها الإنسانية عموماً، ما يعني أن تقويم كل وضعية سواءً (زواج أو حرية) القاصرات لابد أن يتناول أبعاد تلك الجوانب الأربعة، مع مراعاة أن القصد ليس البحث عن (الأصوب) في حياة القاصر.. هل هو زواجها أم حريتها ؟، إنما القصد تأكيد وجود حلول وسطية تحقق حياة كريمة للقاصر بالزواج والحرية معاً، وذلك بأن نتجاوز ابتداءً المفاضلة أو حتى المقارنة بين (الزواج) و(الحرية) بالنسبة لفتياتنا القاصرات.

فالملاحظ في جدلية النقاش حول (زواج القاصرات) في مجتمعنا بين الرفض والتأييد هو الاحتكام إلى مقارنة (زواج) القاصر في الشرق ب(حرية) الفتاة القاصر في الغرب، وما سببته تلك الحرية من وقوع جرائم أخلاقية وعلاقات صداقة غير منضبطة تحكمها النزعة الجنسية، انعكست سلباً على بناء الأسرة فتصدع بفعل معدلات الولادات غير الشرعية وعمليات الإجهاض المتكرر، بل وتكريس قيم بهيمية تخالف الفطرة عن العذرية وارتباطها بالتخلف والرجعية.

إن أهمية استبعاد المقارنة يأتي لسببين، الأول أنه لا توجد أرضية مشتركة بين (الزواج والحرية)، فالزواج من سنن الفطرة وبتطبيقه ينتقل الإنسان إلى مرحلة مصيرية في حياته، أما الحرية فهي قيمة إنسانية نمارسها في مختلف مراحل حياتنا سواءً بزواج أو بدونه، السبب الآخر أن مجتمعنا محكوم بتعاليم دينية ويتعامل بعادات وتقاليد اجتماعية وقبلية، لذا يعتبر الزواج الطريقة المثلى والوحيدة لتأسيس الأسرة التي هي الركيزة الأساسية في بناء المجتمع، بينما المجتمع الغربي هو مجتمع متحرر من القيم الدينية والأخلاقية، ومحكوم بفلسفات مادية وعلمانية تعتبر الزواج خياراً مفتوحاً غير ملزماً لدرجة أنه يسمح بعلاقات اقتران تتعارض مع الفطرة السوية كزواج المثليين.

إذاً مناقشة زواج القاصرات ينبغي أن ينطلق من واقع المجتمع وظروفه وتطوره بعيداً عن المقارنات العالمية، من خلال علاقة هذا الزواج بمسائل لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار. هذه المسائل منها ما يحتاج لحسم نهائي ويكون شاملاً لكل حالات زواج القاصرات، من خلال تشريع معين يحدد (الموقف الديني) و(البعد الاجتماعي) و(الرأي العلمي)، بحيث يُنظر في موقف الإسلام من هذا الزواج وفقاً للنصوص الدينية والوقائع التاريخية والآراء الفقهية، سواءً بتحديد سن معين أو مراعاة مدى الإباحة والسعة الشرعية في هذا الشأن وما إلى ذلك، ولا تترك المسألة للجدل الإعلامي والفقهي الذي قد يتحول إلى جدل (بيزنطي)، مع مراعاة (رأي العلم) وبالذات الطب في العمر الأنسب لزواج الفتاة لتحديد سن أدنى، بحكم التباين في قضية سن بلوغ الفتاة. كما تدعم المناقشة باستعراض (البعد الاجتماعي) لزواج القاصرات، وفقاً لاختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية بين الوقت الراهن والماضي القريب، فبالأمس كانت التركيبة الاجتماعية تقوم على نظام العائلات الكبيرة (الحمايل)، واليوم أصبحت تقوم على لبنات العائلات الصغيرة المنفصلة مكانياً وإن كانت تجتمع في محيط عائلي واحد، فضلاً عن الظروف الاقتصادية القاسية التي كانت ُتجبر كثيرا من الأهالي على تزويج بناتهم في سن مبكرة، خاصةً في ظل انعدام الفرص التعليمية والوظيفية، ما يناقض واقع الفتاة اليوم التي تتطلع إلى مستقبل مشرق ليس للعمل فحسب بل للدراسة العلمية العليا، والمشاركة الفاعلة في كل ميادين التنمية الوطنية والحضارة العالمية.

أما المسألة التي لا يمكن حسمها بشكل نهائي، كونها ترتبط بحالة وقتية للفتاة القاصر، بحيث تؤخذ كل حالة زواج قاصر على حدة، فهي (النضج الأنثوي)، التي تعني وجوب اكتمال نضج القاصر أو الفتاة المقبلة على الزواج، من خلال التوافق الثلاثي (الجسدي والنفسي والعقلي) فلا تأتني بفتاة صحيحة وكاملة البنية الجسمانية وهي لم تُدرك معنى الحياة الزوجية عقلاً، أو تكون في وضع نفسي ضعيف من الممكن أن تسقط في أول امتحانات هذه الحياة المصيرية، خصوصاً أنها سوف ترتبط بشخص يعتبر غريباً عنها، كونها لم تألف من الرجال إلا محارمها وهذه المسألة. إذاً ينبغي أن نصل إلى موقف ديني ورأي علمي واضحين يحددان (سناً أدنى للزواج) يكون حداً لزواج القاصر، ولكن محكوم بمدى اكتمال نضجها الأنثوي، فيكون عدم النضج مانعاً للزواج وإن كان عمرها أعلى من ذلك الحدّ.



Kanaan999@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد