Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/07/2010 G Issue 13811
الخميس 10 شعبان 1431   العدد  13811
 

ذاكرة الشيخ سعد بن عبد العزيز الرويشد
أحد كتبة ديوان الملك عبد العزيز - رحمه الله -
عبدالله بن سالم الحميد

 

- حضور الإنسان المثقف في نسيج مجتمعه يضيء حياة من حوله، ويستقطب توجّهاتهم إلى ألق الحضور وشفافية الحوار، والإصغاء إلى أطياف هذا الحضور وتجلّياته المشرقة. والشيخ سعد بن عبد العزيز الرويشد واحدٌ من أولئك المثقفين النابغين، يمتاز بذاكرة واعية وأسلوب أدبي شفيف، وتعامل رفيع مع كلّ من يعرفه ويلتقيه، عُرف بجدّه وحرصه على الإتقان والمبادرة والتفوّق في أدائه العملي، وحديثه الأدبي، وحضوره الاجتماعي، لذلك كان محبوباً لدى جميع من ارتبط بهم من رفقة الحياة كما تبيّن ذلك سيرة حياته، وما ينبثق من ذاكرته الحاضرة المسكونة بالذائقة الشعرية المتجدّدة التي تروي أحداثاً عاصرها بفاعلية، وعُني بها عنايةً أثيرة لديه، من أهمّها اهتمامه بإعداد الديوان الشعري للشاعر المعاصر له قبل ما يقارب القرن من الزمان الأستاذ محمد بن عبد الله بن عثيمين، حتى قال عنها شاهدهما المعاصر الأديب الشيخ عبد الله بن محمد بن خميس في أثناء تناوله شخصية ابن عثيمين:

(وإذا كنّا نعتز ب(ابن عثيمين) شاعراً نابغة ونموذجاً حيّاً يدلُّ على أنّ بلادنا ولود منجبة تلد العباقرة وتبرز الأفذاذ، فإنّنا نعتزّ بالأستاذ (سعد بن عبد العزيز بن رويشد) الذي وقف نفسه على إبراز ديوان هذا الشاعر، بعد أن جمع مادته وأعطاه من جهده ووقته الشيء الكثير، فطبعه، وأخرجه في أجمل حلية وأبدعها)

- ولابدّ لي في الحديث عن شيخنا الفاضل سعد بن عبد العزيز الرويشد وتوثيق إنجازه الأدبي من التعرّف على شخصيته من أعلام عصره الذي عنوا بهذا التوثيق الأثير.

وفي عام 1419هـ كان الشيخ حمد الجاسر مهتماً بتوثيق سير الأدباء وبخاصة أولي الذاكرة الواعية المعاصرة للملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله - فطلب من الشيخ الأديب سعد الرويشد نبذة عن حياته العلمية والعملية فكتب له خطابه الذي يقول فيه:

(صاحب الفضيلةِ علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر المحترم حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرجو أنكم بخير وعافية - بناءً على رغبة فضيلتكم أن أحرر لكم كلمة عن تاريخ حياتي - عند هذا لا يسعني إلا أن ألبي - رغبتكم التي أحترمها وأعتز بها - وإلا فإني اعتبر نفسي رجلاً عادياً بسيطاً لذا حررت كلمة أرفقتها بخطابي هذا فالذي لا يدرك كلُّة لا يترك كله لإطلاعكم عليها كفاية حفظكم الله ورعاكم،،،

27-8-1419هـ.

أخوكم ومحبكم المخلص

سعد بن عبد العزيز الرويشد

وبدأ تعريفه بنفسه موثّقاً بالتاريخ سيرته التعليمية والعملية التي سردها بأسلوب يسير مسكون بالشفافية والبساطة:

أنا سعد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن راشد الرويشد، من مواليد مدينة الرياض في شهر ذي القعدة عام 1331هـ والأصل نحن من قرية أبي الكباش المعروفة بالقرب من بلدة العمّارية وشاهد هذا أن جدي الأول عبد الرحمن يرويه عن والده عبد العزيز الذي هو جدي الثاني. وعلى كل حال فالإنسان في هذه الحياة لا يفيد ولا يرفع مكانته عند الله وعند مجتمعه إلا العلم والدين والتقى والنزاهة ومكارم الأخلاق، يقول الشاعر:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً

إن الفتى من يقول ها أنا ذا

يغنيك محموده عن النسب

ليس الفتى من يقول كان أبي

وقال الآخر:

لا تقل أصلي وفصلي أبداً

إنما أصل الفتى ما قد حصل

وهذه الآية الكريمة في سورة الحجرات من كلام رب العزة والجلال تنادي البشرية كلها ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?.

في السنة العاشرة من عمري أدخلني والدي - رحمه الله - مدرسة المعلّم محمد بن مصيبيح آل مرحوم التي تقع بجوار مسجد الشيخ العالم العلامة شيخ مشايخ الرياض الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - وهذه المدرسة تقع بجوار هذا المسجد من الجنوب، ومن التوفيق أنهما قريبان من منزل والدي فواصلت الدراسة عند هذا المعلّم - رحمه الله - حتى أكملت دراسة القرآن وانتقلت إلى هذا المسجد وبدأت أحفظ القرآن مع زملاء لي هم عبد الله بن صالح بن مرشد، وحسين بن الشيخ صالح، وعبد العزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ، ومبارك بن قطنان، ومن فضل الله أكملت حفظ القرآن وبدأت أدرس على الشيخ محمد بن إبراهيم بالمسجد مع الطلاب المبتدئين، مبادئ الأصول التوحيد وثلاثة الأصول وكشف الشبهات، هذا في الصباح، وبعد المغرب ندرس على سماحته مبادئ الفرائض وبعد صلاة الفجر ندرس مبادئ النحو وذلك لمدة سنة كاملة، وبوقته تكاثر الطلاب على سماحة الشيخ محمد فوكل أخاه الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم - رحمه الله - دراسة الطلاب المبتدئين في الأصول والفرائض والنحو في نفس هذا المسجد صباحاً ومساءً، غفر الله لهما وجزاهما خير الجزاء على صبرهما ومصابرتهما على تعليم هؤلاء الطلاب على كثرتهم وتباين أعمارهم ودرجاتهم العلمية).

وكأني بشيخنا سعد الرويشد يردُّ على تساؤل عن بدايته العملية فيذكر حكاية طريفة عن بدايته الكتابية، ويتحدث عن تلك المرحلة التي عاصرها إذ يقول:

كنت في ذلك الوقت لا أعرف الخط لأنّ مدرستنا الابتدائية ما كان تدرّسه ولا كانت تفكر فيه وقد بلغت من العمر آنذاك عشرين عاماً وسبق أن توفيت والدتي ووالدي رحمه الله بدأ نظره يتناقص وما كان يملك إلا المنزل الذي نحن فيه بحي دخنه بالرياض ومن التوفيق ومن الصدف الطيبة أن الشيخ محمد بن صالح بن شلهوب - رحمه الله - رئيس مالية الملك عبد العزيز بالرياض بينه وبين جدي عبد الرحمن ووالدي عبد العزيز صداقةٌ طيبةٌ، وفي هذه الآونة قد توفي جدي عبد الرحمن فتساءل مع والدي عبد العزيز قائلاً (أنا أعرف أن حالتكم المادية بسيطة وأرغب منك أن الابن سعد يدخل في مكتبي التابع لمالية الرياض فقال والدي إنه لا يعرف الخط، فأحضرني أبو صالح شلهوب عنده وقال لي: هل تعرف الخط قلت: لا أعرفه لأن مدرستنا ما كانت تعلمه فقال: من بكرة أدخل مكتبي وفيه ثلاثةٌ من الكُتّاب الحميدي الهزاع من بريدة ومحمد بن شاهين ومحمد بن إدريس كلاهما من أهل الرياض وعليك أن تحضر معهم وتتعلّم من خطوطهم حيث هذا المكتب فيه عمل ليلاً نهاراً، وفعلاً دخلت هذا المكتب وعندي رغبة أكيدة في تعلم الخط وقد اخترت خط محمد بن شاهين لأنه أحسن الثلاثة في الخط. وبقيت عاماً كاملاً في هذا المكتب صباحاً ومساءً، ومع رغبتي في الحصول على الخط فقد يسّر الله لي هذا الخط الذي تمتعت به وهو طبقاً لقاعدة محمد بن شاهين الذي سبق أن تعلمها عند خطاط بالأحساء وخلال عام واحد التحقت مع هؤلاء الكتّاب وكنت الرابع معهم رحمهم الله، وليس لهؤلاء الكتّاب ولا غيرهم رواتب نقدية لقلة النقود آنذاك بل لكل واحد أطعمة شهرية مقدارها كيس واحد رز هندي وقلتين تمر وثلاثة أصواع قهوة وثلاثة أصواع سكر ونصف الصاع هيل ونصف الصاع شاهي ونصف عضو لحم يومياً وبوقته ما كان موظفون كثيرون لدى الدولة وبعد حصولي على الخط والوظيفة لدى رئيس مالية الرياض أبو صالح شلهوب وعلى هذا الراتب الشهري من الأرزاق بعدها تنفست الصعداءَ وارتاح ضميري على تأمين راحة والدي والعائلة الموجودة آنذاك.

وبعد هذا تسلمّت وزارة المالية التي كان وزيرها الشيخ عبد الله السليمان تسلمت مالية الرياض بناء على أمر الملك عبد العزيز رحمه الله وتعاقب عليها رؤساءٌ وموظفون أولهم الشيخ صالح الجبرين وبعده الشيخ عبد الله الخويطر وبعدهما الشيخ عبد الله المحمد الحمدان والمدير العام ورئيس المحاسبة الشيخ عبد الله لنجاوي وأخيراً نقل عبد الله المحمد الحمدان إلى مكة المكرمة. وواصل الشيخ عبد الله لنجاوي رئيساً لمالية الرياض ورئيس محاسبتها وأنا ومحمد بن شاهين عاصرنا هؤلاء الرجال الثلاثة الأخيار في مالية الرياض، الجبرين والخويطر ولنجاوي فصار محمد بن شاهين رئيس التحرير وأنا رئيس المقررات الشهرية، وبقيت أنا ومحمد بن شاهين عدة سنوات في مالية الرياض ثم تقدم معالي الشيخ عبد الرحمن الطبيشي وزير الدولة بوقته ورئيس الخاصة الملكية في عهد الملك عبد العزيز تقدم بخطاب للشيخ عبد الله لنجاوي رئيس مالية الرياض بوقته طلب منه نقل خدمات محمد بن شاهين وسعد بن رويشد إلى مكتب الخاصة الملكية فقال الشيخ لنجاوي إن المذكورين من أهم موظفي مالية الرياض عندي فواحد في التحرير والثاني في المقررات الشهرية فلعل معاليكم يتكرم ببقائهما عندي فقال الطبيشي إما أن توافق على نقلهما للخاصة الملكية وإلا أصدرت عليك الأمر خطياً فوافق لنجاوي على نقلنا فصار لنا شرف الخدمة في مكتب الخاصة الملكية لجلالة الملك عبد العزيز الذي يرأسه الشيخ عبد الرحمن الطبيشي، فكنا نسير مع هذا المكتب حيث يسير جلالته حظراً وسفراً وبعد وفاة الملك عبد العزيز - رحمه الله - في عام 1373هـ طلبت أنا وزميلي محمد بن شاهين الإحالة على راتب التقاعد).

إعداده لديوان ابن عثيمين شاعر الملك عبد العزيز - رحمه الله -

وعن مبادرة الأستاذ سعد الرويشد في القيام بإعداد ديوان ابن عثيمين وجمعه ونشره تحت عنوان (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين) يقول عن هذه المبادرة:

(منذ أن كنت شاباً أجد لديّ رغبة في تلاوة كتب الأدب وخاصة الشعر العربي الفصيح لذا أعجبت بشعر الشاعر الكبير محمد بن عبد الله بن عثيمين لاسيما، وأن شعره على المستوى الرفيع من الجودة والبلاغة والرصانة بحيث لا يجاريه أي شاعر في المملكة السعودية وقد عاصر تأسيس الملك عبد العزيز لهذه المملكة العربية السعودية ابتداءً من استيلاء جلالته على مدينة الأحساء في عام 1331هـ إلى نهاية عام 1355هـ أي خلال أربعة وعشرين عاماً نظم فيها أربعاً وعشرين قصيدة وليس معنى هذا أنه يقدم قصيدة كل عام بل أنه لا يقدم قصائده إلا في مناسبات الفتوحات والانتصارات التي تحققت في عهد جلالة الملك عبد العزيز في تأسيسه لهذه المملكة السعودية، هذا التأسيس الواسع العظيم الذي عاد بالخير والأمن والأمان والاستقرار لبلادنا السعودية كلها حتى اتصلت حدودها بمشارف الشام شمالاً وإلى عدن وأبين جنوباً ومن البحر الأحمر غرباً إلى بحر الخليج العربي شرقاً.

لذا تضاعف إعجابي بشعر هذا الشاعر الكبير محمد بن عثيمين لذا قررت أن أقوم بالبحث لجمع أشعاره كلها من مضانها لأنها لم تجمع بعد وذلك لأمور ثلاثة:

أولاً: أن هذا الشاعر الفذّ من بلادنا السعودية ومن أبناء جلدتنا فمن حقه علينا أن نسعى لجمع أشعاره.

ثانياً: المذكور عالم وشاعر ومتفوق على غيره في الشعر العربي الفصيح.

ثالثاً: أنه من المحبين والمخلصين لهذه الدعوة السلفية التي قام بها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - التي أماتت البدع والخرافات في البلاد السعودية كلها.

ومن المحبين والمخلصين لهذه الدولة السعودية التي أيدت هذه الدعوة وناصرتها من عهد الإمام المؤسس الأول محمد بن سعود بمدينة الدرعية في عام 1157هـ إلى نهاية عهد الملك عبد العزيز وإلى عهد أبنائه الملوك البررة سعود وفيصل وخالد - رحم الله الجميع - وإلى عهد خادم الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، لذا قررت أن أبادر بالبحث لجمع أشعاره كلها لأنها تاريخ قائم بذاته لتأسيس جلالة الملك عبد العزيز لهذه المملكة، فمن حقه علينا أن نسعى لجمع أشعار هذا العالم الشاعر والمواطن المخلص محمد بن عثيمين خدمة لجلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - وتاريخه وخدمة لبلادنا وتاريخها، وقد توفقت للحصول على أشعاره في سجل جريدة أم القرى بمكتبة الحرم الشريف بمكة المكرمة وفي مكتبة معالي الشيخ محمد سرور الصبان، فقابلت معاليه - رحمه الله - في منزله بحي جرول بمكة المكرمة وكانت تربطني بمعاليه صداقة قوية وأنا في ذلك الوقت أحد كتّاب ديوان الخاصة الملكية لجلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي كان يرأسها وزير الدولة معالي الشيخ عبدالرحمن الطبيشي - فبناءً على هذه المقدمة طلبت من الشيخ محمد سرور أن يتكرم بتمكيني من دخول مكتبة معاليه التي بداره فرحب بالفكرة وأمر رئيس مكتبه آنذاك الأستاذ محمد علي مغربي - رحمه الله - الذي أعدّ لي طاولة وكرسيّاً بالمكتبة المذكورة، ومما وفّر لي بعض الوقت هو قرب منزل الشيخ عبد الرحمن الطبيشي الذي أسكن فيه من منزل الشيخ محمد سرور. فكنت أحضر في مكتبة معاليه ليلاً ونهاراً في غير أوقات مكتبنا في الخاصة الملكية فهذه مجلدات جريدة أم القرى، أما في هذه المكتبة منذ أن أسسها جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - فتناولت أول واحد منها وتصفحته على الطاولة صفحة صفحة فإذا وجدت شعر محمد بن عثيمين بدأت أسوده بقلمي، وهكذا داومت ليلاً ونهاراً حتى أكملت جميع ما نشر في هذه المجلدات لهذا الشاعر الكبير والمواطن المخلص إبن عثيمين وجميعها تهاني لجلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله - أما قصائد الشاعر المذكور التي سبقت ما نشر في أم القرى اعتباراً من دخول الملك عبد العزيز مدينة الأحساء في عام 1331هـ وما بعدها، فقد حصلت عليها من الأديب المعروف بالرياض إبراهيم الشايقي رئيس مكتب الإمام عبد الرحمن بن فيصل والد الملك عبد العزيز وغيره من أصدقائي القدامى.

وبعدما أكملت البحث عن أشعار شاعرنا الكبير محمد بن عثيمين وحصولي على جميع أشعاره في داخل المملكة السعودية وفي الخليج العربي، عرضت موضوع طباعته على صاحب المعالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان وزير المالية السابق - رحمه الله - فرحب بالفكرة وشكرني على حرصي ومتابعتي في جمع أشعاره وقال هذا شعر ممتاز ومن واحد من أبناء بلادنا لا سيما أن غالبية أشعاره في سيدي صاحب الجلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - المؤسس لهذه الدولة فأمر معاليه بأن يطبع على حسابه الخاص، وبوقته ما كان في المملكة طباعة ممتازة وذلك عام 1375هـ، فلذا أخذت رأي العلامة شيخنا الشيخ حمد الجاسر في ذلك فأشار بأن يطبع بدار المعارف بالقاهرة المصرية حيث لديها استعداد كبير وفيها جهاز ضخم من الموظفين والعمال يعتمد عليهم فرجوت من الشيخ حمد أن تكون طباعة هذا الديوان بإشراف فضيلته بالقاهرة فوافق جزاه الله خيراً وأشرف على طباعته، ومقدار ما طبع من هذا الديوان خمسة آلاف نسخة جميعها طباعة ممتازة في الورق والطباعة والتجليد والشكل، والديوان يتكون من 518 صفحة منها فصل هو أكثرها خاص بجلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - يحتوي على أربع وعشرين قصيدة كلها تهاني لجلالته في فتوحاته وانتصاراته التي أسس فيها هذه المملكة الواسعة والمترامية الأطراف، وفيها فصل خاص بالملك سعود - رحمه الله - وفصل خاص بالمراثي في الشيخ ابن ثاني حاكم قطر المتوفى في عام 1331هـ ورثاء في الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ في عام 1339هـ ورثاء في الإمام عبد الرحمن بن فيصل في عام 1346هـ ورثاء في شيخ الشاعر الشيخ سعد بن حمد بن عتيق في عام 1349هـ ورثاء في الشيخ عبد الرحمن بن قاسم بن ثاني من أمراء قطر في عام 1352هـ ورثاء في ابن وطنه وصديقه الذي كان يقرأ قصائده على الملك عبد العزيز الأديب عبد الله بن أحمد العجيري في عام 1352هـ وقصيدة في الصفحة رقم 437 في الرد على اعتراض على العالم العلامة الشيخ سليمان بن سحمان، وفصل خاص بحاكم قطر الشيخ قاسم بن ثاني وابنه عبد الله لأنّ شاعرنا - رحمه الله - أقام عندهم في قطر سنوات عديدة في صدر شبابه كان موضع احترامهم وتقديرهم فكافأهم بالثناء عليهم. فما أعطوه ذهب وما أعطاهم بقى، وفيه فصل باسم الشيخ محمد بن عيسى بن خليفة أحد حكام البحرين بالصفحة رقم 515.

فهذه هي الطبعة الأولى التي طبعت بدار المعارف بالقاهرة عام 1375هـ والطبعة الثانية علمت أنها صوّرت بوقته بالدوحة بقطر بعدد محدود من الطبعة الأولى ووزعت بداخل قطر، لأنّ أسرة الشيخ قاسم بن ثاني حاكم قطر السابق وأبناءه بينهم وبين شاعرنا محمد بن عثيمين قدم صدق ومحبة أكيدة وقديمة وأقام عندهم في قطر سنين عديدة وله فيهم قصائد ومراثي بفصل خاص بهم في الطبعة الأولى من ديوانه، وبعد أن ارتفع مستوى الطباعة في المملكة، فإن الطبعة الثالثة صورت بمطابع دار الهلال بالرياض وجلدت تجليداً ممتازاً في عام 1400هـ ومقدارها عشرة آلاف نسخة على حساب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله السليمان الحمدان وإخوانه والجميع وزعت بالمجان على من يقدرها ويعيها، فرحمك الله يا محمد ابن عثيمين رحمة واسعة على هذا الشعر الذي جملت به بلادك وخدمت به اللغة العربية واستخدمت به الثناء على المؤسس الثالث للدولة السعودية جلالة الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه - وأثنيت به على الدعوة السلفية التي قام بها شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب - رحمه الله -.

ويُلحظ من اهتمام الشيخ سعد الرويشد بشعر معاصره الشاعر محمد بن عثيمين امتداد وثيق باهتمامه وعنايته بشخصية الملك عبد العزيز وسيرته ورحلاته وانتصاراته التي نسج ابن عثيمين شعره توثيقاً لها إذْ لم تقتصر منظوماته على المديح، وإنّما تهنئات توثيقية لأحداث معاصرة مهمة في تأسيس المملكة العربية السعودية، وجمع شتاتها عبر سلسلة من الفتوحات، كما تعبّر عن ذلك قصائد ديوان (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين) التي نشر معظمها في صحيفة (أم القرى) التي تعدُّ المصدر الأوّل لمعدّ الديوان الشيخ سعد الرويشد، أما المصدر الثاني فقد وجدها كما أوضح في مقدمة الديوان لدى نخبة من الأدباء في الرياض، ومنهم الشيخ إبراهيم بن عبد الله الشايقي والأستاذ محمد بن صالح مطلق وغيرهما.

والشاهد على الأهمية التوثيقية لهذه القصائد يتبيّن من عناوينها حيث يتعذّر إيراد أمثلة من تلك النماذج للمنظومات الشعرية: مثال ذلك:

1- العزُّ والمجد (تهنئة بفتح الأحساء سنة 1331هـ).

2- عج بي علي الرَّبع (نظمت في وقعة تربة سنة 1337هـ).

3- منال العُلى (تهنئة بفتح مدينة حائل سنة 1340هـ وهنالك قصيدة أخرى بهذه المناسبة عنوانها: (تهللّ وجه الدّين).

4- أعد عليّ حديث المنحنى (تهنئة بفتح مكة، سنة 1343هـ، ومنظومة أخرى بهذه المناسبة أيضاً بعنوان: (الحمد لله) يقول مطلعها:

الحمد للهِ صبحُ الحقّ قد وَضَحا

هذي التجارةُ، لا مالاً يثمّرُه

هذا هو النصرُ والفتح المبينُ بِه

قومٌ سمتْ لهم الحسنى التي سبقتْ

وبيعكم يا أهيل الدّين قد ربحا

من كان ذا نظرٍ عن مثله طمحاً

جرتْ سعادةُ قومٍ للورى نُصحا

في عالم الكون لا روحاً ولا شبحا

5- سفر الزّمان (تهنئة فتح «المدينة») سنة 1344هـ.

وكثيراً ما كان يتغنّى بها الشيخ سعد الرويشد في مجلسه إذا أراد الحديث الشجيّ الذي كان يزهو به عن سيرة الملك عبد العزيز وذكراه المعطّرة بأريج التاريخ الذي ارتقى بتجلّياته المشرقة بحضوره - غفر الله له - تقول افتتاحية هذه القصيدة التقليدية المعبّرة عن تلك الروُّحانية في حضرة المدينة المنوّرة وقدسيّتها الفضلى:

سفرَ الزّمانُ بغُرّةِ المستبشرِ

وتأرَّجتْ أرجاؤه بشذائه

وتألّقتْ في طيبةٍ سُرُجُ الهدى

وتألّقت من قبل ذاكَ بمكّةٍ

وتجدّدتْ من جُدةِ أعلامُهُ

وجرتْ ينابيعُ الهدى في ينبعٍ

بفتوحِ مؤتمن الإلهِ لدينه

وكُسي شباباً بعد ذاك المكبرِ

حتّى لخِلْنا التُّرب شيب بعنْبرِ

ما بينَ روضة سيّدي والمنبرِ

إذْ قُدّستْ من كلِّ رجسٍ مُفترِ

وتقشّعتْ منها رسومُ المنكرِ

هذي السعادة يا لها من مفْخرِ

ملكٍ تسلْسل من كريم العُنصرِ

ويتوقّف الشيخ سعد الرويشد معجباً مترنّماً، متحفياً بهذه الأبيات من منظومة الشاعر ابن عثيمين إذ يقول:

ليت الذي سكن الثّرى ممن مضى

نظروا صنيعَك في المدينة، والتي

كي يشهدوا أنّ الفضائلَ قُسّمتْ

ويسرُّهم إحياؤكَ الشرعَ الذي

من أهل بدْرٍ والبقيع المُنْوِر

يهوي إليها كلّ أشعث أغبرِ

بالفضل بين مقدَّمٍ ومؤخّرِ

قد كان قبلك مثلَ روح مغرغرِ

- ما أسعدك - يا أبا عبد الله - وأسعدنا معك ونحن نصغي إلى إلقائك المدهش لهذه الأبيات مأخوذة بإعجابك المتجدّد بها وبقائلها، واحتفائك قبل ذلك بشخصية الملك الفذّ عبد العزيز الذي أنشدتْ في حضرته، وردّدها ذلك الصوتُ الجهوري الفصيح المرافق لرحلات المليك الأثير، ذلك الأديب عبد الله العجيري صديق الشاعر ابن عثيمين وأحد المعجبين به.

- لقد كان حضور الشيخ سعد الرويشد في مجلسه العامر ببيته حضوراً أثيراً يحتفي فيه بخلية من أصدقائه الأدباء، وأبنائه المثقّفين، وروّاد صالونه الأدبيّ الثقافيّ الذي يشعله برواية الأحداث التاريخية الوطنية الأثيرة، ويشترك معه في إدارة الحوار التلقائي والحديث الشفيف نخبة من ذوي الحكمة والرأي والفكر والأدب الذين يعشقون هذه الألفة التي تجلّت في شخصية هذا الإنسان المتواضع المسكون بالأدب الرفيع والخلق المؤثّر في كلّ من تعامل معه، شفاه الله، كلّ هذا الحضور يحرّض من يعرف الشيخ سعد الرويشد أن يلتفت إلى هذه الشخصية المعاصرة للمراحل السعودية في أثناء أدائه العملي ونشاطه الأدبي وفعاليته الثقافية الفذّة وأعماله التوثيقية التي أرجو أن يُعنى أبناؤه بنشرها، بالإضافة إلى إعادة نشر كتابه التوثيقي الذي أصدره عن الشاعر محمد بن عثيمين - رحمه الله - لتكون بمثابة العمل الوثائقي المعاصر والذكرى لأصدقائه وأبنائه ومحبّيه، وفاتحةً لتكريمه وتقديره في حياته بصفته عضواً فاعلاً في نسيج مجتمعه مخلصاً في توجهه، يحفّ به في صالونه الأدبيّ الاجتماعي الثقافي الأثير الذي ينعقد مساء كلّ جمعة - أبناؤه الدكتور عبد الله والأستاذ محمد والدكتور عبدالمحسن والأساتذة سليمان ومنصور وأحمد وأحفاده، ونخبة الأدباء والمثقفين الذي يأنسون بحضوره ورواياته الوثائقية الأثيرة الجديرة بالتوثيق.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد