Al Jazirah NewsPaper Friday  23/07/2010 G Issue 13812
الجمعة 11 شعبان 1431   العدد  13812
 
الخطباء.. والحوار الفكري
يوسف بن سليمان الهاجري *

 

أخذ مفهوم الحوار بين مختلف الثقافات والأمم على صعيد الحراك الفكري والإعلامي والاجتماعي في مجتمعاتنا مساحة واسعة من بين القضايا الكبرى التي تشغل المفكرين والمهتمين بقضايا الأمة وتحدياتها، من أجل استعادة توازن الشخصية الإسلامية، وتسهيل التقريب بين المتباعدين، وإزالة الخلافات, وتنقية الانحرافات واللوثات الفكرية, والأمة الإسلامية في عصرنا الراهن تمر بمرحلة خطرة وحرجة جراء تزايد حالة الاحتقان الطائفي والمذهبي والقبلي وتصاعد حدّة الاقتتال والصراع بين المكونات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات ذات التعددية الفكرية، والتنوع المذهبي، ليس هذا - فحسب - بل بين المكون الواحد، مما نتج عن ذلك انشقاقات وأحزاب تعمل ضد مشروع الآخر ووجوده، حتى بات كل فريق شغله الشاغل هو مصلحته الذاتية ونظرته التشكيكة للآخر؛ حيث لا يزال في مجتمعاتنا ممن يحسبون على الفكر والثقافة والخير والصلاح غرقى في العقد التاريخية والإيديولوجية، يعملون على بث روح الطائفية والفرقة في جسم الأمة. ورغم أننا نعيش عصرا متقدما إلا أننا لازلنا نعيش في أوحال التاريخ.

والناظر في مجتمعنا وما يمر به من أحداث يستشعر أهمية الحوار من أجل معالجة قضايانا وخاصة الفكرية, وأبرز مثال على ذلك ظاهرة الانحراف الفكري وما يسمون بأصحاب الفكر الضال, وما قابله من جهود حوارية بارزة موفقة أثمرت وأينعت, فنجد لجنة المناصحة في وزارة الداخلية, وحملة السكينة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وغيرها من البرامج الحوارية الأخرى التي تسعى لمعالجة قضايا المجتمع وتحقق أمنه الفكري, وهنا نقول: إن على الخطيب دوراً كبيراً في تحقيق هذا الأمن الفكري ولعلي أحثه على استخدام لغة الحوار في خطبه وممارسة الحوار في مجتمعه المحيط به من أهل الحي وجماعة المسجد, وهذا الأسلوب ليس بمنهج جديد بل هو منهج القرآن الكريم فتأمل قول الله تعالى {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}, ومما ورد في القرآن الكريم من نماذج الحوار مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) واقرأ هذا الحوار بين موسى عليه السلام وفرعون قال تعالى: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى* قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى).

ومن أبرز مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في استخدامه للحوار، أن غلاماً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا نبي الله ؛ أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قربوه، ادنُ، فدنا حتى جلس بين يديه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ فقال: لا؛ جعلني الله فداك, قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم, أتحبه لابنتك؟ قال: لا؛ جعلني الله فداك, قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم. أتحبه لأختك؟ وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحدة: لا ؛ جعلني الله فداك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: وكذلك الناس لا يحبونه, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه، وهناك العديد من الأمثلة والنماذج.

إلا أنني أقول: ما أحوج الخطيب إلى استخدام لغة الحوار لمعالجة قضايانا الفكرية وخاصة لدى شبابنا وأبناء وطننا, ورائد الحوار اليوم هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إذ تبنى هذا المفهوم الكبير ليحققه في مجتمعنا بل والعالم كله, وأجدها فرصة أن أقترح على وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف إلى التعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في تقديم دورات متخصصة للخطيب تساهم في تعزيز استخدام الحوار بأسلوب واعٍ ومفيد ومثمر, وتجارب مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الناجحة تشوقنا إلى الاستفادة منه.

*إمام وخطيب جامع - والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد - بحي الفلاح


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد