Al Jazirah NewsPaper Friday  23/07/2010 G Issue 13812
الجمعة 11 شعبان 1431   العدد  13812
 
التصويت (البايخ)
د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى*

 

(كلمة بايخ لها أصل في اللغة العربية كما في الصحاح ولسان العرب وغيرهما)

وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني عنوانها (أعطِ صوتك لأفضل رجل شهدته البشرية) تقول: هناك موقع على النت يعمل حالياً استفتاء لاختيار أفضل رجل من 10 رجال ثم تحث الرسالة على التصويت لرفع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم من المرتبة الثامنة إلى الأولى، ولا ننسى أن مقدمة الرسالة تقول: «ثقافة التصويت والاقتراع مهمة في عصرنا الحاضر.. الخ».

هذا التصويت (البايخ) سبق أن وصلتني رسالته قبل سنة، وهي رسالة فيها استهانة بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأغلب الظن أنها مما سمعنا ونسمع من استخفاف البعض بعقول البسطاء من المسلمين لتنتشر في منتدياتهم فيضحكون على عقولنا.

نبينا عليه الصلاة والسلام أرفع شأنا وأعلى منزلة من أن نخضعه للتصويت..

فلنفترض جدلاً أننا قبلنا هذه الرسالة وتنادينا لها وصوتت أعداد غفيرة حتى وضعناه في المركز الأول فهل نحن انتصرنا؟

أي سخافة هذه؟

هل يقاس مستوى نبينا صلى الله عليه وسلم بين البشر بالتصويت؟!

وهل نقدمه للناس بالتصويت؟

وماذا نكسب من هذا التصويت؟!

وماذا نخسر لو لم نصوّت؟!

وحتى تتصور مدى السخافة فلتفترض أننا بعد جهد جهيد لم نتمكن إلا إلى المركز الثالث..

فما الإهانة تلك؟!

ومن الذي يحكم في هذا التصويت؟!

وتصويتنا هو إقرار منا بنتيجة التصويت، فهل يجوز لمسلم أن يرضى بتلك النتيجة؟!

بل هل يُعقل أن نرضى بمقارنته بمن معه؟!

ومن هم الذين معه صلى الله عليه وسلم في المنافسة؟!

الملحد مارس.. عابد البقر غاندي..؟

وفي موقع آخر: فرويد.. داروين.. هتلر..

هذا التصويت هو في حقيقته تصويت على سذاجتنا..

نعم هو كذلك، ففي موقع من مواقع هذا التصويت (البايخ) هناك شخصيات كثيرة لم أجد لها تصويتاً (التصويت 0%) إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم بلغ 88%.

إذاً من اليسير جدا قياس مستوى البساطة والسذاجة لشريحة المنتديات والإنترنت من المسلمين، فالنتيجة أن 88% من هذه الشريحة ما زالوا بسطاء سذجاً، لأنهم انساقوا وراء تصويت في موقع يمكن أن يصنعه طفل، فلو كان الموقع لدولة أو منظمة عالمية لكان يجب على كل مسلم ألا يتعجل، فكيف بموقع مجهول؟! بدليل تكرار مواقع التصويت تلك، وقد يكون وراءها أهداف تجارية كما تبين في بعض المواقع، وربما كان لها أهداف أبعد من ذلك، أو ربما للتندر بالمسلمين كما في قصة وصلتني دلالتها صحيحة حتى وإن لم نتأكد من صحتها.

القصة لشاب أمريكي شكا إلى زميله أنه رسم صوراً مسيئة للإسلام ولم يجد من ينشرها، فنصحه زميله قائلاً: فقط ادخل على أحد المنتديات العربية وانشر أعمالك...

وبعد أسبوع، أبحث عن أعمالك في جوجل..

ستجدها قد انتشرت في 80 منتدى عربي مسلم.. وبعد أسبوعين.. ستنتشر في 400 منتدى عربي..

وحتى تقبل أكتب فقط:

يا ناس شوفوا الصورة كيف يسيئون إلى الإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن، واكتب تحت الصورة (حسبي الله ونعم الوكيل).

وحتى لو افترضنا أن موقع التصويت هو للتصويت الحقيقي المجرد، فالتصويت في حق نبينا صلى الله عليه وسلم مرفوض جملة وتفصيلاً.

إلى متى ننساق خلف مثل هذه الشائعات و(الإيميلات) و (المسجات)؟

إلى متى تأخذنا العواطف حتى إن أحدنا ليتلقف الرسالة (بريد إلكتروني أو رسالة جوال) فيبعثها على الفور دون أن يقرأها أو دون أن يتأملها..؟!

أذكر رسالة وصلتني عن الشيخ ابن باز رحمه الله من أكثر من شخص.. فيها طرف من سيرته الجميلة لكن الطريف فيها عن الشيخ أنه كان لا يتغدى سوى على برتقالة فأرسلت إلى المرسل: (برتقالة..؟؟) فاتصل ضاحكاً وقال: لم أقرأها.

فالشيخ كان يومياً كما هو معروف عنه يقدم طعام الغداء لكل من في مجلسه ويتغدى معهم وقد رأيته أكثر من مرة ولم يكن يكتفي ببرتقالة كما يقول منشأ تلك الرسالة.

وهكذا تنتشر بعض الرسائل دون مراجعة فتشيع الأخطاء على بساط ريح العواطف.

ألا ما أعظم كتاب الله تعالى ففيه المنهج الناجع للشائعات، قال الله سبحانه: (وإذا جاءهم أمر من الأمن)

فالواجب في مثل تلك الرسائل أن ترد إلى أهل العلم، ولا يتعجل كل أحد بالإذاعة والإشاعة، و(أولو الأمر) هنا هم أهل المعرفة في الأمر من الأمن أو الخوف أي في كل حال وفي كل أمر فيرد إلى أهل الاختصاص، وما أكثر الشائعات في الأغذية هذا نافع وذاك ضار فتنطبق عليها الآية بالرد إلى المختصين فيها (أتمنى أن يوجد خط ساخن للاستفسار عنها).

وفي حرب اليمن الأخيرة شاعت رسالة جوال تحذر من باعة عطر يقفون عند إشارات المرور وأنه قاتل.. الخ.

فكان بجانبي شخص وصلته الرسالة فقلت لنتأكد من المختصين في الأمن فنفوا نفياً قاطعاً فأخذت جواله وكتبت له الآية، لأن كثيراً منا يرسل تلك الرسالة بدافع التحذير وأخذ الحيطة ظناً أن أخذ الحيطة نافع في كل الأحوال، والواقع أن مثل هذه الشائعة هي في ذاتها إرجاف مشين وهي تصيب المجتمع بالهلع والذعر.

ونشر الشائعة قد لا يكون بقصد النشر المجرد ولكن ربما بقصد التحذير تارة، أو بقصد الاستفسار عن الشائعة أحياناً من غير أهل الاختصاص فيها، وكل ذلك نشر مذموم كما في نص الآية الكريمة إذ السؤال عن الشائعة إن لم يكن لأهل الاختصاص فهو نشر لها.

* جامعة القصيم


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد