Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/07/2010 G Issue 13813
السبت 12 شعبان 1431   العدد  13813
 
الخطأ في الفتوى شيء وتجريح العلماء شيء آخر
د. إبراهيم بن ناصر الحمود

 

الكل يعلم ما يدور في الساحة اليوم مما هو حديث الساعة والذي أخذ حيزاً كبيراً من صحافتنا المحلية وتناقله الناس عبر مواقع الإنترنت، وأصبح حديث كثير من المجالس، وافترق الناس فيه بين مؤيد

ومعارض، وكثرت التعليقات والردود التي فيها شيء من الغلظة والتهكم والسخرية لكون طالب علم أخطأ في فتواه، وفارق الصواب اجتهاده.

والخلاف العلمي بين العلماء ليس وليد اليوم، فمنذ أن نشأت المذاهب الفقهية بل ومنذ عهد الصحابة والتابعين والخلاف في المسائل الاجتهادية قائم، ولا أحد يتعصب لرأيه أو مذهبه، فقد قال الإمام مالك - رحمه الله - (كل يُؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر) يعني بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الإمام الشافعي - رحمه الله - (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، ويقول (إذا خالف قولي نصاً من كتاب أو سنة فاضربوا بقولي عرض الحائط).

وفي عصرنا الحاضر كثر الخلط والهرج، وفقد بعض المجتهدين الوسطية في الرد على المخالف، ناسين أو متناسين أنه غير معصوم عن الخطأ، حتى وإن تعصب لرأيه. فالواجب على كل مجتهد رد المخطئ إلى الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالتجريح والكلمات النابية التي لا تليق بطالب العلم، فأين احترام العلم والعلماء، وهؤلاء المجرحون والساخرون ممن خالفهم في الرأي هم الذين يحذرون - في أكثر من مناسبة - من لحوم العلماء وأنها مسمومة، فمن الذي أباح لهم اليوم أن يصفوا المخالف بصفات تحمل في طياتها السخرية والاستهزاء، أهكذا تكون القدوة الحسنة؟ أما كان الأجدر بهم أن يركزوا جهدهم على النقاش العلمي الجاد المدعم بالدليل بعيداً عن النيل من الأشخاص، هل يجهل هؤلاء أن هذه الأوصاف من الغيبة المحرمة، إذ كيف يوصف طالب علم بما لا يليق به لكونه أخطأ في فتواه؟ كيف يحط من قدره بسبب زلة واحدة؟ نعم زلة العالم ليست كغيره، ولكن يبقى فضله ومكانته وعلمه وقدره. هذه صفة طالب العلم، وهكذا يكون التعامل بين العلماء، فالخلاف لا يغير من الود قضية. وقد كان لسماحة مفتي المملكة موقف مشرف من هذه الفتاوى حين بيَّن وجه الخطأ فيها مع احترامه للمخالف وأنه كغيره من العلماء غير معصوم عن الخطأ. فيا ليت الآخرون الذين وقعوا في أعراض غيرهم من العلماء سلكوا هذا المسلك.

ولست بصدد ذكر ألفاظ التهكم والسخرية التي نقلت عنهم، فقد تناقلتها وسائل الإعلام، بل منها ما يعجز اللسان عن التلفظ به لبشاعته، هل هذا هو منهج العلماء حال الخلاف؟ خاصة في مسائل الخلاف.

إننا نربأ بعلمائنا أن يكون منهم من هو كذلك. وهم القدوة في أقوالهم وأفعالهم، ولعل ما حصل من بعضهم من تهكم بأخيه من باب لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة.

الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء


dr-alhomoud@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد