Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/07/2010 G Issue 13813
السبت 12 شعبان 1431   العدد  13813
 
هدأة التضخم المحلي... ومكاسب المملكة من الأزمة المالية العالمية
د. حسن أمين الشقطي(*)

 

رغم أن آخر تقرير إحصائي رسمي صادر عن مصلحة الإحصاءات العامة بالمملكة يشير إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار ارتفاعا طفيفا في مايو الماضي (127.8) عنه أبريل قبله (127.1)، إلا أن المدقق في الأرقام ليلحظ هدوءا واستقرارا ملحوظا في أسعار غالبية القطاعات الرئيسية.

البعض يأخذ التضخم على أنه مجرد عنصر اقتصادي عادي لا يهتم به إلا الاقتصاديون في تحليلاتهم، إلا أن التضخم يمكن أن يتسبب في تداعيات خطيرة لأي دولة قد تصل إلى حد هروب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، لأنه يتسبب في تآكل المدخرات، فضلا عن تأثيره الخطير على التخطيط الاقتصادي في أي دولة.. وفي المملكة ينصب الاهتمام بالتضخم على قطاعين رئيسيين، هما اللذان يقودان التضخم أو الركود.. وهما الأغذية أو الأطعمة، والإيجارات.. والسوق السعودي يمتلك سمات خاصة تميزه عن كافة الأسواق العالمية الأخرى، حيث يوجد به عدد كبير من العمالة الوافدة التي ترفع مستويات الطلب المحلي ارتفاعا ملموسا، وتتسبب في أحيانا كثيرة في اختناقات في مناطق أو سلع معينة نتيجة تركز هذا الطلب في أوقات معينة من العام.. بل إن السوق السعودي يعتبر السوق الوحيد على مستوى العالم الذي يوجد به تركز للسائحين (الحج والعمرة) خلال فترات زمنية قصيرة وبأعداد كبيرة، الأمر الذي يؤثر تأثيرا جوهريا على الطلب المحلي على الأغذية والمشروبات وأيضا في الطلب على خدمات الإقامة والمساكن.. لذلك فإن عنصر السياحة بوجه عام والدينية بوجه خاص يلعب دورا حيويا في زيادة مستويات أسعار الإيجارات، وتزداد هذه الأسعار في مناطق معنية، مثل مكة والرياض.

ومن جانب آخر، فإن الفجوة الإسكانية بوجه عام تتسع بالسوق السعودي في ضوء الزيادات المتواصلة في أعداد العمالة الوافدة بشكل تقود معه توجهات تضخمية متزايدة.

والبعض يعتبر التضخم المحلي تضخما مفتعلا والبعض يعتبره تضخما مبالغا فيه، ولكن المدقق يمكن أن يكتشف أنه تضخم منطقي ومقبول في ضوء السمات والطبيعة الخاصة للسوق السعودي..

ومع كل هذه العناصر المعززة لارتفاع وتواصل المستوى العام للأسعار بالمملكة، فإن التضخم العالمي الحادث في الفترة 2007-2008 قد ترك تداعياته على السوق السعودي مثلما أثر على بقية أسواق العالم.. حيث أثرت الاختلالات الحادثة في أسعار المواد الغذائية، وعلى رأسها الأرز والقمح والسكر، أثرت تأثيرات سلبية واضحة أدت إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية المستوردة.. وبالفعل أحرز معدل التضخم المحلي بالسوق السعودي ارتفاعات كبيرة خلال الفترة (2007-2008)..

إن التساؤل الهام الآن : كيف يسير معدل التضخم المحلي الآن؟ وإلى أين يتجه؟

على الرغم من الارتفاع الطفيف الذي سجله المستوى العام لتكاليف المعيشة خلال مايو الماضي عنه في أبريل ، إلا أن هذا الارتفاع جاء كنتيجة مباشرة لارتفاع في أسعار قطاع الترميم والإيجار، في حين أن أسعار الأطعمة سجلت تراجعا طفيفا، نستطيع أن نوصفه بأن هناك استقرارا في أسعارها، نتيجة الهدوء في مستويات الأسعار العالمية..

ويعزز هذا الهدوء في أسعار المواد الغذائية كافة التقارير الصادرة عن منظمة الفاو التي تشير إلى أن دورة المواد الغذائية الرئيسية تسير الآن في اتجاه ارتفاع مستويات العرض عن مستويات الطلب كنتيجة لزيادة التوجهات لاستزراع المزيد من الأراضي بالمحاصيل الرئيسية التي اشتد عليها الطلب خلال 2007-2008، وقد بدأت هذه المساحات الجديدة في تكوين مخزونات متزايدة من معظم المواد الغذائية الرئيسية، فضلا عن تَمكن المنتجين الرئيسيين عالميا من القضاء على الاختلالات في بعض المنتجات وعلى رأسها السكر.. ففترة الأسعار الملتهبة في 2008 تحديدا وسعي الكثير من المنتجين الرئيسيين إلى احتكار بعض المواد الغذائية الرئيسية عزت بكثير من التجار إلى التحول إلى محتكرين، وهذا الاحتكار أدى في حد ذاته إلى تَكوُّن مخزونات عالية هي التي تقود الآن إلى بروز زيادة في حجم المعروض، والذي سيقود حتما إلى تراجع أو على الأقل ضمان استقرار الأسعار.

إن التضخم المحلي بالمملكة الآن منقاد بقطاع الإيجارات أو المساكن تحديدا، وهو تضخم ناجم عن وجود بعض العجز في الوحدات الإسكانية، وهذا العجز ناجم في حقيقته ليس عن قصور في إسكان السعوديين بقدر ما هو ناجم عن توجيه جزء كبير من المعروض من المساكن للإيجار وإسكان الوافدين.. أي أن الفجوة الإسكانية في حقيقتها ناتجة عن عنصر بعيد عن العرض، ويرتبط جوهريا بالارتفاع المستمر والمتواصل في حجم الطلب نتيجة عوامل الاستقدام وغيرها، بل إن تركز الاستقدام خلال الآونة الأخيرة في الفئات والشرائح عالية الكفاءة والمؤهلات وذات الدخول المرتفعة أدى إلى ارتفاع مستوى طلب الوافدين على المساكن المنافسة لمساكن السعوديين.

وعليه، فإن استمرار ارتفاع أسعار الإيجارات والذي هو أساس التضخم في المملكة الآن ينبغي أن يعامل معاملة خاصة، لأنه لا يعبر عن التضخم بالمعنى المتعارف عليه.. كما ينبغي توضيح أن القطاع الأكثر مصداقية في قياس التضخم المحلي يجب أن يكون هو الأغذية والمشروبات، والتي شهدت هدوءا يمكن بناء عليه القول بأن الفترة الأخيرة قد شهدت كبحا حقيقيا لجماح التضخم المحلي، وهو أحد المكاسب التي ربما تكون قد جنتها المملكة جراء تداعيات الركود الاقتصادي الحادث في ضوء تداعيات الأزمة المالية العالمية.

(*) محلل اقتصادي


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد