Al Jazirah NewsPaper Monday  09/08/2010 G Issue 13829
الأثنين 28 شعبان 1431   العدد  13829
 
على هامش جولة الملك عبد الله العربية
الأزمة اللبنانية
د. عبد المجيد بن محمد الجلاَّل

 

تتسم السياسة الخارجية السعودية، ومنذ حقبة التأسيس، بخصائص وسمات منضبطة في أبعادها الإسلامية والعربية والدولية، تستند إلى مبادئ الاحترام المتبادل، وتنمية المصالح، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وفي بعديها الإسلامي والعربي تتسم هذه السياسة بأجواء إيجابية أكثر في مجال التعاون والعمل المشترك، وتدعيم الصلات التجارية والثقافية البينية، إضافة إلى تقديم القروض والتسهيلات المالية، والمساعدات المادية.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اتخذت السياسة الخارجية للمملكة أبعاداً أكثر زخماً وفعالية ونشاطاً، واستثماراً لمكانتها الإقليمية والدولية. فعلى المستوى الإسلامي والعربي ألقت المملكة بثقلها السياسي لدعم مسيرة الوفاق، ومعالجة مواطن الخلاف والشقاق، وتعزيز آفاق التعاون وعناصر الاستقرار والبناء. وأما على المستوى الدولي فقد تمَّ ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل وتنمية المصالح، بعيداً عن سياسات المحاور والتكتلات السياسية، وربط مصالح الأمة بهذه الجهة أو تلك، بما أسهم في إضفاء مزيد من القوة والمصداقية على القرار السياسي السعودي، فضلاً عن آثاره الاقتصادية الإيجابية، على الاقتصاد الوطني.

ولعلَّنا نشير في هذا المقام والمقال إلى ذلك الاهتمام الدولي الكبير بمبادرة السلام التاريخية التي أطلقها الملك عبد الله، وتبنتها قمة بيروت العربية، تحت عنوان (مبادرة السلام العربية) فقد تجاوزت بنود هذه المبادرة كل التناقضات العربية، والإخفاقات الدولية، على مدى عقود من الزمن، من خلال إطار محدد وجريء، يرتكز على عودة الأرض العربية المحتلة منذ عام 1967م وعودة اللاجئين، مقابل السلام والعلاقات الطبيعية بين العرب وإسرائيل. وشكَّلت هذه المبادرة أول صياغة عربية موحَّدة لسبل معالجة الصراع مع إسرائيل، برؤية إستراتيجية واضحة، تؤطّر لفكر سياسي جديد ينأى بالأمة عن مرحلة من العبث السياسي، ويؤسس لمرحلة من العمل العربي المشترك لمعالجة قضايا الأمة، تستند إلى آلية منضبطة تأخذ بمعطيات الواقع، والظروف الدولية، وآفاق المستقبل، دون المساس بثوابتها وحقوقها.

هذا البعد العربي والإقليمي والدولي للسياسة الخارجية السعودية المتوازنة يصاحب جولة الملك عبد الله الراهنة لتعزيز مسيرة الوفاق العربي، وعلى وجه الخصوص مسيرة الوفاق اللبناني - اللبناني، بما يخدم مصالح شعوب المنطقة العربية، ويدرأ عنها ويلات الشقاق والخلاف، وشتى أنواع التجاذبات الإقليمية والدولية.

من المعلوم أنَّ لبنان بلد عربي صغير المساحة والسكان، ويسكنه خليط من الطوائف والمذاهب، تتوزع السلطة التشريعية والتنفيذية فيما بينهم، وفقاً لتفاهمات واتفاقيات حكمت الأنموذج اللبناني منذ عام 1943م غداة الاستقلال وانتهاء الاستعمار الفرنسي.

هذه التركيبة السياسية الطائفية، وتطبيقاتها، ذات توازن هشّ، يتأثر سلباً بفعل التجاذب الداخلي، وصراع المصالح والنفوذ، والتدخلات الإقليمية والدولية، وبخاصة الإسرائيلية منها، وقد كانت الحرب الأهلية في عام 1975م أكبر دليل على الإشكالية الخطيرة التي تعاني منها صيغة التعايش بين الطوائف اللبنانية.

وجاءت اتفاقية الطائف التاريخية لتعيد رسم الخارطة السياسية اللبنانية، على النمط الطائفي ذاته، وإن تضمنت جملة من الإجراءات والآليات التي تكفل استمرارية التعايش السلمي بين جميع الطوائف، وتعزيز دور الدولة في رعاية السلم الأهلي، والأمن الداخلي، ومقتضيات الدفاع الوطني، بما يحقق مصالح هذا النسيج اللبناني المتنوّع. ولكن مع الأسف الشديد ظلت بعض بنود هذه الاتفاقية تخضع لمساومات مريرة بين الأطراف اللبنانية والإقليمية لأكثر من عقدين من الزمن بما حال دون تنفيذها.

على أية حال، هذا التوازن الطائفي الهش الذي يحكم الفسيفساء اللبنانية، بوضعه الراهن، يلقي بظلاله على السلم الأهلي اللبناني، ويُشكِّل تربة خصبة لتوليد المزيد من الاهتزازات الداخلية، وما جرى خلال السنوات الأخيرة يؤكد على ذلك. كما أنَّ المساعي الحميدة للتخفيف من حِدَّة هذه الهزة أو تلك، لن تبعد عن كونها مجرد مسكنات وقتية، قد لا تمنع من حدوث اهتزازات داخلية مستقبلية، في ظلِّ استمرار التدخلات الإقليمية، وتعاطيها في الشأن اللبناني، وفق أجندتها، وصراعاتها مع القوى المضادة الإقليمية والدولية الأخرى.

هذه النتائج والوقائع تؤكّد على أهمية أن يُغَلِّب اللبنانيون بمختلف طوائفهم وأحزابهم مصالح وطنهم، وأن يعملوا بكل جدية ومصداقية، على المحافظة على النسيج الطائفي والتعايش السلمي بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والدولية. ومخاطر النزاعات الطائفية المريرة. وهذا الأمر لن يتحقق إلا عبر بوابة الدولة اللبنانية، من خلال العمل على تقوية أدوار الدولة، وسيادتها على كامل التراب اللبناني، وفق اتفاقية الطائف، خاصة في مجال الدفاع الوطني وقرارات السلم والحرب، وتعزيز قوة الجيش اللبناني، باعتباره المؤسسة العسكرية الرسمية الوحيدة التي تتشكل من النسيج اللبناني المتنوّع، والقادرة بالتالي على حماية هذا النسيج، ورعاية مصالحه الأمنية والدفاعية.

وفي تقديري أنَّ الزيارة التاريخية للملك عبد الله للبنان بصحبة الرئيس السوري بشار الأسد خطوة مهمة لمعالجة الاحتقان الداخلي حيال المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الزعيم اللبناني الراحل رفيق الحريري، مثل ما هي خطوة مهمة كذلك لتعزيز دور ومكانة الدولة اللبنانية، كلاعبٍ أساس في منظومة التعايش السلمي الوطني.

كلمة أخيرة

يغلب على السياسة الخارجية للملك عبد الله بن عبد العزيز على وجه العموم سمات المصداقية والجرأة في التعاطي مع قضايا الأمة، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة. وتعكس رؤية سياسية ثاقبة، وإضافة نوعية لرصيد الملك عبد الله من العمل السياسي الفاعل، والحكمة السياسية.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد