البطالة قضية كبيرة نعاني منها، والمخططون في هذا البلد يدركون حجم هذه المشكلة وهذا الوضع، وهم يسعون بالفعل إلى وضع السياسات والخطط لمواجهتها أو على الأقل الحد من آثارها، وهذا بحد ذاته عمل جيد ويشكرون عليه، وتدعيماً للجهود الرامية إلى تلمُّس الحلول لهذه المشكلة المتفاقمة سأتحدث في هذا المقال عن جانب قد يكون من الجيد على بعض الجهات التي تُعنى بقضية توظيف الشباب السعودي الاهتمام به وجعله على قائمة الأولويات، هذا الجانب يتعلّق بضرورة التفريق بين الاتجاه نحو جعل الشاب مستثمراً، والاتجاه نحو جعل الشاب موظفاً، وكل جانب من هذين الجانبين له معالجاته المختلفة.
فدفع الشاب إلى الاستثمار يحتاج الى توفير المال اللازم له والذي يمكنه من بداية مشروعه، وهناك عدد من الجهات تقدم قروضاً بآليات مختلفة، وهذا واضح ولا إشكال فيه، ومن الجيد أننا نرى شبابنا وهم يعملون كمستثمرين يصعدون سلّم الأعمال درجة درجه حتى يصبحوا رجال أعمال كباراً، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في واقعنا الذي نعيشه اليوم.
أما الاتجاه الآخر وهو العمل على إيجاد وظائف للشباب، ففي هذه الناحية نجد أن هناك بعض المجالات قد يكون هناك خلط فيها بين الاستثمار والوظيفة، فمثلاً سعودة أسواق الخضار، سعودة أسواق التمور، سعودة سائقي الليموزين، هذه المجالات وما شابهها في اعتقادي هي أقرب إلى الاستثمار منها الى الوظيفة، وما يتوفر فيها من أنشطه وأعمال لا يمكن اعتبارها فرصاً وظيفية محسوبة كعلاج وحل لقضية البطالة، نحن بمجتمعنا السعودي نختلف عن الكثير عن المجتمعات الأخرى، فلدينا بعض العوامل التي أستطيع أن أقول عنها إنها ارتباطات ثقافية ومجتمعية تحتم على الشاب الالتزام بها، أو التي يكون الشاب نفسه مراعياً لها حتى ولو كان غير مقتنع بها، فالشاب عندما يبحث عن عمل فإنّ همه الأكبر هو مدى الاعتماد على هذه الوظيفية وما تحققه له من أمانٍ وظيفي تجعله يضمن دخلاً مستمراً يساعده على تكوين أسرة وبيت حتى ولو كان في البداية قليلاً، كما أن هناك جانباً آخر مع أنه من المفترض عدم الالتفات له إلا أنه من التفكير المنطقي الاعتراف بوجوده كواقع وأخذه بالاعتبار إذا أردنا إيجاد حل سليم وفعال للبطالة، ألا وهو المكانة الاجتماعية لهذه الوظيفة وما تحققه من تقدير واحترام لصاحبها.
ولعلنا نستطيع أن نخلص إلى أن هناك ضرورة للتفريق ما بين الشاب كمستثمر والشاب كموظف، والوظيفة كوظيفة حتى يمكن قبولها في مجتمعنا، لابد أن يتحقق فيها ثلاثة جوانب أستطيع أن أطلق عليها مثلّث حلول البطالة، وهذه الجوانب هي: الأمان والاستقرار الوظيفي للشخص، الدخل المستمر والمضمون (بغضّ النظر عن مقداره)، عدم تأثير تلك الوظيفة على مكانة الشخص اجتماعياً، هذه الجوانب هي جوانب حقيقة وواقعيه يجب الاعتراف بها وعدم تركها بحجة أنها من باب الترف، إذ أننا عندما ندقق في السياسات التي وضعت لمواجهة البطالة، نجد أنها عملت على التركيز على موضوع المرتبات والأجور فقط، وهنا أقول لا بد أن نغير هذه النظرة والتحول الى نظرة أعمق والتركيز على الأبعاد الأخرى والتي ذكرنا بعضاً منها، والتي قد تكون ذات أهمية أكبر، وذلك في سبيل السعي نحو تقليص حجم البطالة، وهنا أطرح سؤالاً: هل نجد بحوثاً متعمقة لدراسة مثل تلك الجوانب واستكشاف أعماق هذه الأبعاد بشكل علمي؟ نتمنى أن يكون لجامعاتنا ومراكز البحوث فيها مساهمة ودور بارز في مثل تلك الدراسات بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بقضيتنا قضية البطالة.