Al Jazirah NewsPaper Monday  09/08/2010 G Issue 13829
الأثنين 28 شعبان 1431   العدد  13829
 

أرواح تلاقت.. بعد غياب
عبدالله بن إبراهيم بن حمد البريدي

 

بعد أكثر من ربع قرن كتب الله أن ألتقي بمن أحتارُ فيما أسميهم، أهم أصدقاء أم جيران أم أقرباء.. أم أرواح غابت عنا (دون موت) فعادت بكل حُب لأسعدَ بها وتسعدَ بي!

حقيقة فقد التقيت بمن أعدهم إخواناً لي تجمعني بهم أخوَّة الدين أولاً، ثم أخوَّة الجيرة، وأخوَّة الصداقة الحقيقية الخالصة الخالية من المصالح الزائلة الزائفة، فأنعم بها من أخوَّة وأكرم.

فما أجمل أن تلتقي وأنت رجل.. وأنت أب، بمن كنتَ وكانوا صِغاراً في الأعمار وكباراً ورجالاً في التعامل والصفاء والمحبة والألفة والوئام!

وما كان لنا أن نلتقي لولا توفيق الله وفضله ومنّته ثم مبادرة الأخ العزيز المحب للجميع، والذي حنَّ لتلك الأيام الجميلة التي قضاها معنا وهو الأستاذ الفاضل عبدالعزيز الغيث، والذي بادر ورتّب هذا اللقاء المبارك، والذي دفعه له هو ما دفعنا للاستجابة لدعوته، ألا وهو الشوق والحنين لمن لا أرى أفضل من تسميتهم بأهل لنا غبنا عنهم وغابوا عنا سنين ليست بالقليلة ونحن للأسف وأقولها بكل مرارة للأسف في مدينة واحدة، ولكن شغلتنا وألهتنا عن بعضنا شؤون وظروف كانت تتزايد يوماً بعد يوم كلما زادت مشاغل المرء والتي تزيد بتقدم عمره، وتراكم المسؤوليات، والهموم التي هي نتاج شرعي وطبيعي للمسؤوليات!

قد يقول قائل: إن حنين فرد أو أفراد للماضي هروب من الحاضر أو الواقع. وهذا مجافٍ للحقيقة، خصوصاً إذا كان الواقع أو الحاضر مشرقاً وسعيداً، وقد تحقق للمرء أكثر أحلامه وإن لم يتحقق بعضها فقد حصل له من الخير ما لم يكن يؤمله أو يفكر به.

من وجهة نظري الشخصية أن الحنين للماضي هو حنين لماضي المجتمع ككل وليس ماضي الإنسان وحده، بمعنى أنه حنين للزمن الذي كان كل شيء فيه أبيض وأسود، وليس التلفاز فقط! فالحياة تكاد تكون خالية من الشوائب، والبراءة والفطرة هي الغالبة.

فالخطأ خطأ، والعيب عيب، والحرام حرام والحلال حلال، وإن خاصم الإنسان أو كره بانَ ذلك على محياه وعلى لسانه وأفعاله، وإن أحب لم يستتر الحُب بل فاض من العينين ونطق به اللسان بكل طهر وأدب.

وإن قيل: إن الحنين للماضي تعبير عن الخوف من المستقبل، وإنه محاولة لتناسي هذا الخوف، فدحض هذه الفلسفة ووأدها في مهدها بالقول:

إننا لم نخَف من مستقبلنا ونحن صغار، ليس لدينا العلم الكافي ولا لدى أهلنا، فكيف نخاف من مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وقد تعلمنا وتبصرنا وأصبح لدينا خزينة هائلة من التجارب والمشاهَدات والأحداث التي تؤكدُ وترسخ في القلب والعقل أيضاً القاعدة الذهبية الأولى لحياة كل مسلم والتي تقول: ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، فتوكل على الله أيها العبد، فأنت ضعيف والله هو القوي، وأنت فقير والله هو الغني، وأنا أريد وأنت تريد وهو يريد، ولكن الله عز وجل يفعل ما يريد.

هذا ليس تحليقاً في عالم المثاليات وسباحة في بحار الأحلام كما يقولون، بل هو الحقيقة التي تجسدت بعد مقابلتي للأصدقاء الأعزاء، فالحمد لله كل منا قد تزوج، وكل منا قد رُزق ذرية، وكل منا قد توظف وتقدم في سُلم وظيفته، وفي الوقت نفسه لاشك أن كلاً منا قد توفي له قريب عزيز عليه، فهذا قد فقد أباه وهذا أمه، وآخر فقد أخاً له وذاك قد فقد أختاً، فهذه الدنيا كما أن فيها المُسعِدات والمسرات ففيها المنغصات والمكدرات، فليست تصفو لأحد من البشر كائناً مَن كان.

كم كان جميلاً وسعيداً هذا الاجتماع الذي كان أشبه بفيلم مدته خمس ساعات، وكل ساعة كانت كفيلة بسرد أحداث خمس سنوات من سنوات ربع القرن الذي غبنا فيه عن بعض، فحضرت الأرواح وتلاقت قبل تلاقي الأجسام.

فشكراً لكل وفِيٍّ حَضرَ ولبّى هذه الدعوة، وشكراً جزيلاً للداعي والمنسق لهذا الاجتماع، ومن قبل ومن وبعد حمداً لله وشكراً على ما تفضل به وأنعم علينا وأكثر، فله الحمد والثناء الحسن.

رافد

وقد يجمع اللهُ الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن ألا تلاقيا

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد