Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/08/2010 G Issue 13837
الثلاثاء 07 رمضان 1431   العدد  13837
 

مات القصيبي... أغنية الوطن
د.موسى بن عيسى العويس

 

مات القصيبي.. رثيته أواخر حياته، واليوم سأرثيه، كغيري حين تلح عليه العواطف أمام فاجعة الموت. (حديقة الغروب) كانت أولى النذر، وإمارة الرحيل:

خمسٌ وستون في أجفان إعصارِ

أما سئمت ارتحالا أيّها الساري؟

أما مللت من الأسفار ما هدأت

إلا وألقتك في وعثاء أسفارِ؟

هذي حديقة عمري في الغروب كما

رأيت مرعى خريف جائعٍ ضارِ

لا تتبعيني دعيني واقرئي كتبي

فبين أوراقها تلقاك أشعاري

إلى أن يقول:

ويا بلادا نذرت العمر زهرته

لعزها! دمتِ! إني حان إبحاري

يا عالم الغيب! ذنبي أنت تعرفه

وأنت تعلمُ إعلاني وإسراري

أحببت لقياك حسن الظن يشفع لي

أيُرتجى العفو إلا عند غفّارِ

مات غازي القصيبي.... حسبي هذه الجملة مثيراً للشجن... أمام عظمة الموت كلنا نحني رؤسنا.... الموت نفسه يستمد عظمته من عظام الرجال... هكذا لكل موتٍ رهبة... ولكل قبرٍ وقفة... ولكل ميّت كلمة...

مات (القصيبي)، مودعا الحياة في غروب الحياة، بموته فقد الأدب العربي رجلاً من خيرة رجالاته، وخسر بلبلاً من أشجى بلابله الوطنية، صداحاً وتغريداً... ماذا ستقول اللغة العربية، وبماذا ستُعبر:

دعوها أمام النعش يعلو زفيرها

وتجري مآقيها، وترخي شعورها

مات (القصيبي) وبموته يبكي الوطن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، يبكي شاعر الجمال فيه... يبكي فتاه اللامع الذي أنشد في حب الوطن أجمل المقاطع، وغنى للحياة أطرب أناشيد حياة.

مات (القصيبي)، تاركا في الأوساط الأدبية والفكرية فراغاً كبيراً، لا يملؤه إلا من ضارعه علماً وعملاً، وإقداماً وأدباً، ولا غرو إذا عمّ الأسف عليه دولة الأدب، وقد رزئت بعين من عيون أدبائها.

مات (القصيبي)، البطل الحقيقي، قائد حركة التنوير في جحافل الظلام، مات الخصم الحازم، والقرم العنيد الذي لا يخشى أو يهاب سوى خالقه، لذا فمن الطبيعي أن يبقى حياً في مبادئه، حياً في نفثات أقلامه، حياً في قلوب البائسين والمكلومين.

مات (القصيبي)، مات الرجل الذي لم يقف طوحه عند العمل الإداري، أو الفن الأدبي، بل نزعت به قدمه، وقادته همته إلى مخاطر السياسة، فوفاها من الحنكة قسطها، ومن الحكمة والدراية حقها، بما كان يعتقد صوابه لخير أمته وبلاده. مات كبيراً في نفسه، كبيراً في أعماله التي ذهبت مذهب الأمثال، يتحدث بها السائرون في الغدو والآصال.

مات (القصيبي)، بعد أن عاش معنا أبيّاً دون خيلاء، مجاملاً بدون تصنّع، لطيفاً بدون رياء، لم تقعد همته الصعاب، ولم تفت في ساعده المكاره والمكائد رغم ضراوتها. مات، وهو يحمل في حياته، وبخاصة لخصومه روحاً عالية، وقلباً كبيراً، وشعوراً نادراً، وأخلاقاً سامية. فكان بحق، وكما وصفه غيري ب(الاستثناء).

يموت الأناني منسياً من الجميع، مهجوراً، لا يجد من يسكب على قبره دمعه، أو يذكره برحمة، أما (القصيبي) فقد رافقت موته أدعية حارة، وتنهدات محزنة.

مات (القصيبي) فقيد الأمة، والوطن، ولا أقول أمام مآثره إلا كما قال غيري:

وحال من دون تعدادي محامدهُ

ضيق المقام لذا نوّهتُ تنويها

dr_alawees@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد