Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/08/2010 G Issue 13841
السبت 11 رمضان 1431   العدد  13841
 
حرب الخليج في العشرين
ريتشارد ن. هاس

 

قبل عشرين عاماً أقدم صدّام حسين، الحاكم الأوحد للعراق آنذاك، على غزو الكويت. وفي أعقاب ذلك اندلعت أول أزمة دولية كبرى في عصر ما بعد الحرب الباردة، وهي الأزمة التي أدت بعد أقل من عام إلى تحرير الكويت وإعادة ترسيخ حكومتها. ولقد تحقق ذلك بتكاليف إنسانية واقتصادية متواضعة تحملها التحالف المتعدد الجنسيات غير العادي الذي تولى الرئيس جورج بوش الأب حشده وتجميعه. ومنذ ذلك الوقت استخدمت الولايات المتحدة قوتها العسكرية مرات عِدة ولأسباب متنوعة.

واليوم.. تناضل الولايات المتحدة من أجل تخليص نفسها من صراع ثان في العراق، في حين تحاول تلمس الطريق إلى الأمام في أفغانستان، وتفكر في استخدام القوة ضد إيران. لذا فإن السؤال المطروح الآن بطبيعة الحال هو: ماذا يمكننا أن نتعلم من حرب العراق الأولى التي اعتُبِرَت على نطاق واسع نجاحاً عسكرياً ودبلوماسياً كبيراً؟.. ينبع أحد الدروس المهمة من الأساس الذي استندت إليه الحرب.

إن محاولة تعديل سلوك دولة ما خارج حدودها أمر مختلف تمام الاختلاف عن محاولة تغيير ما يحدث داخل أراضيها. فقد دارت رحى حرب الخليج الأولى في 1990-1991 بغرض صد العدوان العراقي المسلح، الذي انتهك حُرمة سيادة دولة مجاورة، وخالف أبسط القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول في عالم اليوم.

وبمجرد طرد القوات العسكرية العراقية من الكويت في عام 1991، لم تزحف القوات الأميركية على بغداد لتغيير الحكومة العراقية، ولم تبق في الكويت لفرض الديمقراطية هناك. أما الحرب ضد أفغانستان في عام 2001، ثم الحرب ضد العراق في عام 2003، فكانتا مختلفتين تمام الاختلاف. فقد سعت الولايات المتحدة بتدخلها في كل من البلدين إلى الإطاحة بالحكومة القائمة آنذاك، ونجحت في تحقيق مسعاها في الحالتين.

وفي اعتقادي أن التدخل في أفغانستان كان مبرراً (للإطاحة بحكومة طالبان التي ساعدت في تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول)، أما التدخل لإسقاط صدّام حسين فلم يكن مبرراً.

ولكن بغض النظر عن موقفي الشخصي من هذه المسائل، فمن المؤكد بلا أدنى شك أن محاولة تغيير حكومة بحكومة أخرى أفضل وأكثر دواماً أمر مختلف وأشد طموحاً من محاولة تغيير سلوك حكومة ما. إن النجاح في تغيير أي نظام يتطلب التزاماً بعيد الأمد فيما يتصل باستخدام القوة العسكرية، والاستعانة بخبراء مدنيين مدربين على بناء المجتمع الحديث، وتدبير الموارد المالية، وحشد الاهتمام بالقضية.. ورغم توفر كل هذه العناصر فليس هناك ما يضمن التوصل إلى نتائج طيبة إلى الحد الذي يبرر مثل هذا الاستثمار الضخم.

وثمة مجموعة أخرى من الدروس المستفادة من حرب العراق الأولى (والثانية كذلك) تشير إلى قصور النتائج التي يمكننا أن نتوقعها من العقوبات الاقتصادية.

ذلك أن العقوبات وحدها، وحتى تلك المدعومة بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقوة العسكرية، لم تكن كافية لإقناع صدّام حسين بالانسحاب من الكويت، التي كان نجاحه في فرض سيطرته عليها بمثابة جائزة كبرى بالنسبة له. ولم تتمكن العقوبات من تغيير الحكومة في بغداد. بل إن قدرة العقوبات على تحقيق أية نتائج تضاءلت كثيراً في نهاية المطاف.

وهناك أيضاً مجموعة ثالثة من الدروس فيما يتصل بالدعم الدولي. إن مشاركة عدد كبير من الحكومات لا تعمل على توزيع تكاليف الحرب فحسب، بل إنها تضفي الشرعية أيضاً على الحرب. ذلك أن الدعم المتعدد الأطراف من الممكن أن يساعد في دعم الموافقة على الحرب في الداخل، أو على الأقل التسامح معها، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من البلدان، بما في ذلك البلدان التي تجري الأعمال العدائية على أرضها.

بماذا تنبئنا كل هذه الدروس إذن عن كيفية المضي قدماً في التعامل مع العراق وأفغانستان وإيران؟ في حالة العراق، كرر الرئيس باراك أوباما تعهده بإنهاء كل العمليات القتالية الأميركية بحلول نهاية شهر أغسطس/ آب، وسحب كافة القوات العسكرية الأميركية من البلاد بحلول نهاية العام المقبل.

ولكن بالنظر إلى عجز الساسة العراقيين عن تشكيل حكومة جديدة رغم مرور أشهر منذ انعقاد الانتخابات الوطنية، فإن فشلهم في توفير الخدمات الأساسية، واستمرار العنف القاتل في المقام الأول، فإن جهود بناء الدولة في العراق بعيدة كل البعد عن الاكتمال. وربما كان لزاماً على إدارة أوباما أن تعيد النظر في التزامها بالرحيل، وأن تتفاوض بدلاً من ذلك على اتفاق جديد (اتفاق يسمح ببقاء ما قد يصل إلى عشرين ألف جندي أميركي في العراق لسنوات قادمة) عندما تنشأ حكومة عراقية جديدة.

وفي أفغانستان تدور الدروس حول طبيعة ما تسعى الحرب إلى تحقيقه هناك. فالتاريخ يشير إلى أن الولايات المتحدة لابد وأن تفكر ملياً قبل مواصلة جهودها الرامية لإعادة تشكيل وصياغة المجتمع الأفغاني أو حكومته. بل وقد يكون من الحكمة أن تقصر الولايات المتحدة جهودها على مهمة أضيق نطاقاً في مكافحة الإرهاب، على نحو أشبه بما يحدث في الصومال واليمن (وفي باكستان إلى حد ما).

أما في حالة إيران، فإن حرب العراق الأولى تعلمنا أن فرض العقوبات الاقتصادية قد لا يكون كافياً على الأرجح لإقناع الحرس الثوري (الذي يهيمن على البلاد على نحو متزايد) بقبول حدود يمكن التحقق منها لبرنامجهم النووي. بيد أن العقوبات قد تقنع بعض الدوائر الأخرى القوية داخل إيران، أو على وجه التحديد رجال الدين، ورجال الأعمال، والساسة المنتمين إلى التيار المحافظ، بالانقلاب على الرئيس محمود أحمدي نجاد وقاعدته المؤلفة من الحرس الثوري.

ولكن إن لم يحدث ذلك فإن مسألة ما إذا كان من الواجب استخدام القوة العسكرية لإبطاء تطوير السلاح النووي الإيراني سوف تطفو على السطح. والواقع أن قِلة من الحكومات قد تؤيد العمل العسكري.

ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما قد يتحقق من إنجاز بشن هجوم عسكري محدود على المنشآت النووية الإيرانية، أو بتكاليف مثل هذا الهجوم وما قد يسفر عنه من نتائج. بيد أن التقاعس عن العمل، وتقبل إيران كقوة نووية يفرضها الأمر الواقع، يهدد بمستقبل أشد خطورة وربما أكثر تكلفة. ونتيجة لهذا فإن دروس حرب الخليج الأولى ربما تكون في حالة إيران أعظم فائدة وأقرب إلى التطبيق مقارنة بحالة العراق أو أفغانستان.

خاص (الجزيرة)
المدير السابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد