Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/08/2010 G Issue 13842
الأحد 12 رمضان 1431   العدد  13842
 
غازي وثقافة المسؤولية
البتول السقاف

 

نشاهد في واقعنا كثيراً من الأدباء والمثقفين في مواضع مسؤولية تخدم الوطن والمواطن وهو ما قد يثير فينا الغبطة والأمل بمستقبل أفضل للثقافة والمسؤولية معاً قبل أن يباغتنا استفهام حول جدارتهم المهنية وهل كانوا مسؤولين متفانين محنكين في مسؤولياتهم مثل ما كانوا أدباء ومثقفين في طرحهم الفكري؟ وهل كانت تمثل الثقافة بالنسبة إليهم رسالة ما أو أنها ليست إلا معالجة من الذات وإليها فثمة بون بين شخصية المسؤول وشخصية المثقف؟

في شخصية فقيدنا الدكتور غازي القصيبي نجد الإجابة في النموذج الذي ترسمه هذه الشخصية لعلاقة الثقافة والمسؤولية. فالرسالة التنويرية التي يحملها غازي المثقف هي الإلهام الذي غذى إحساسه بالمسؤولية تجاه وطنه، وصنعت هذه الرؤية المعايير الناضجة التي انطلق منها في تنفيذ هذه المسؤوليات لتمضي قدما بالمملكة العربية السعودية إلى مسيرة حضارية واعية، ولتصب في مصلحة التنمية الوطنية، وإنجاز الإضافات النوعية والإنجازات المبهرة التي حققها وحفلت بها ذاكرة كل مسؤولية تقلدها.

ثقافة غازي هي ما صنعت من المسؤولية هاجساً يستيقظ كل صباح عازماً على تحقيقه كمواطن «خادم» كما كان يصف نفسه رحمه الله. ذلك أنه يعلم أن الثقافة ليست اجتراراً للأفكار بقدر ما هي ممارسة وسلوك ورؤية تصوغ علاقة الإنسان مع الحياة، وإنجازاً ملموساً لا صراعاً وتصارعاً وخلافاً، أو انعزالاً عن الواقع وتقوقعاً في الذات. وبذلك كان غازي القصيبي مصداق المثقف الذي يعي مسؤولية الثقافة وثقافة المسؤولية؛ فهو المثقف المتفاني في ثقافته، والمسؤول الذي تلهج المناصب التي تولاها بإنجازاته.

هذا النموذج الملهم هو النموذج الذي ينبغي أن تتمثله الأجيال، وتتعلم منه كيف تتجسد المواطنة الحقيقية في الأشخاص، وهذا الوفاء الذي هو أقل ما يقدمه المجتمع لرجالاته الذين أفنوا أعمارهم في أن يكون مجتمعاً أفضل، يسهرون كي ينام المجتمع بسلام، ويحترقون كي يشع النور ويتبدد الظلام كما هو حال فقيدنا.

إذا كان الأدب والثقافة قد يكتبان الخلود في ذاكرة التاريخ لشخصيات، فإن ثقافة المسؤولية هي ما يكتب الخلود للحضارات، وغازي القصيبي بجمعه الثقافة والمسؤولية فإنه قد خلَّد اسمه واسم وطنه في ذاكرة التاريخ. رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى، آمين.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد