Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/08/2010 G Issue 13845
الاربعاء 15 رمضان 1431   العدد  13845
 
نتائج القياس بين الصمت والنعيق
د. عبدالله بن علي القاطعي (*)

 

تأملت كثيراً ما نقرؤه في هذه الجريدة الغراء وفي غيرها عن بعض هواجس التعليم والقبول الجامعي لدينا، فوجدت أن هناك بُعدين مسكوتاً عنهما.

الأول يتعلق بصمت الطلبة الذين حصلوا على درجات عالية في اختبارات المركز وفي الثانوية العامة. هذه الفئة هي التي يمكن أن نثق بأنها متميزة، نظراً لتواتر الأداء المرتفع في الشواهد المتعلقة بالثانوية العامة وتلك المتعلقة باختبارات المركز فهي من تستحق الحديث عنها وتكريمها نظراً لأنها ستكون الشعلة التي تنير طريق مجد أمتنا فتحقق أحلام مجتمعها. هذه الفئة للأسف لا نتكلم عنها كمسؤولي تعليم وآباء كما أنها صامتة لا تنبس ببنت شفة فهي لا تتحدث عن مستوياتها ولا عن اختبارات المركز وكيف أنها أنصفتها وضمنت لها حقوقها ولم تسمح للمزيفين أن يسرقوا منها ابتسامة العدالة والإنصاف والتميز.

وكما تعودنا في مفهومنا الخاطئ للنقد أن نذكر الجوانب السلبية فحسب ولا نتحدث عن الإيجابيات بحكم أنها تحصيل حاصل، وفي اعتقادي أن الإنصاف والعدل يقتضيان الحديث عن هذه الفئة وكيف أنها في نهاية الأمر وجدت وسيلة تميزها عمن شحمه ورم، بل إن المعايير الأخلاقية توجب علينا القول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت.

البُعد الثاني يتعلق بالتناقض في الدرجات بين الثانوية العامة واختبارات المركز. فحين يُقال إن «قريبي حصل في الثانوية العامة على 99% وحصل في اختبار المركز التحصيلي على متوسطة (65) أو فوق المتوسط بقليل، فإن هناك احتمالين: أحدهما إن الدرجة التي حصل عليها الطالب في الثانوية العامة لا تعبر عن مستواه الفعلي وإن الاختبارات التي أجريت له أثناء دراسته تنقصها المصداقية. والاحتمال الآخر هو أن اختبارات المركز لا تقيس أداء الطلبة الفعلي في المرحلة الثانوية. وهنا أود القول إن هناك خطوات يتبعها المركز في إعداد اختباراته لا نجد مثلها في الصف الدراسي. هذه الخطوات تعتمد على الطرق العلمية المعمول بها عالمياً حيث تخضع الأسئلة للتمحيص الدقيق الذي يقوم به أفواج من المختصين بعضهم في المادة العلمية وبعضهم في التعليم وبعضهم في القياس وبعضهم في الاختبارات، ثم إن الاختبار يُبنى وفق مؤشرات السؤال الإحصائية (صعوبته، وقدرة على التمييز بين الطلبة، ومستوى التخمين فيه) بحيث يكون الاختبار متوسط الصعوبة ومميزاً بين المستويات المختلفة من الأداء. كما أن هذه الاختبارات تتوزع أسئلتها وفق جدول مواصفات يتفق وأهمية الأبواب المختلفة من المواد الدراسية. فليس هناك حذف لأجزاء من المادة أو ملخصات يُركز عليها. فأي نوعي الاختبارات أقرب للمصداقية؟

إذا كان الحال كذلك فمن سيحصل على درجات عالية في اختبارات المركز؟ أهو من اعتمد على الملخصات أم من درس الكتاب وفهم محتواه؟ فمن المؤكد أن الطالب الذي لديه إلمام جيد بالمواد ستكون درجاته في الثانوية وفي اختبارات المركز عالية، أما من كانت درجاته منخفضة في الاثنين أو منخفضة في اختبارات المركز ومرتفعة في الثانوية فإن ذلك يبعث على الاستغراب، فهل اعتمد ذلك الطالب على الملخصات أم على شيء آخر؟

إن واجبنا المهني والوطني يملي علينا كأولياء أمور أن نتثبت من الأمر ونبدأ بالسؤال عن مصداقية كلتا النتيجتين؛ فإن كانت المؤشرات العلمية قد أظهرت أن نتائج الثانوية العامة أصدق فينبغي معرفة جوانب الخلل في الطرف الآخر (اختبارات المركز)، أما حين تظهر المؤشرات العلمية أن اختبارات المركز أصدق فينبغي معرفة الخلل في التقديرات المدرسية. هل هناك تضخيم في مستويات أبنائنا وبناتنا؟ هل الإيهام بالتميز ورم ينبغي فحصه ومعرفة طبيعته ومسبباته؟

عندما ينعق أشخاص أو عشرات الأشخاص ويدعون على المركز بالويل والثبور وعظائم الأمور فما يبهج النفس ويثلج الصدر أن هناك آلاف الأشخاص الصامتين الذين تظهر الابتسامة على شفاههم لكون هؤلاء الناعقين لم يسلبوهم مقاعدهم. هذا الصمت ليس مرده عدم الرضا عن المركز واختباراته. بل قد يكون ذلك بسبب عدم الرغبة في إظهار تميزهم خوفاً من حسد حاسد وقد يكون بسبب أن العدالة أنصفتهم ولا يهمهم نعيق الناعقين لأن الحق أبلج لا يستطيع أحد إخفاء بريقه ولا إطفاء شعلته.

(*) رئيس وحدة القياس والاختبارات المركز الوطني للقياس


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد