Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/08/2010 G Issue 13845
الاربعاء 15 رمضان 1431   العدد  13845
 
غازي النجم الذي يزهو به المجد
سعد محمد البيز

 

مهما كُتبت الرقاع.. وأهرقت الأحبار في البقاع.. فلن نوفي هذا الرجل حقّه ها نحن بصوت المواطن المخلص الغيور بصوت رجال السياسة والشعر بصوت عشاق الفن والأدب نودع الوزير الأديب الأريب نودع رجل السياسة والفكر الذي اختاره الله في رمضان لنقول جميعاً: وداعاً يا غازي.. لقد فجعنا بنبأ وفاة الأديب والإداري الفذّ الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، وفَقَدنا بوفاته رجلاً من رجالات البلاد المخلصين.. وهامة أدبية.. وقدرة إدارية.. وعلامة من علامات الثقافة.. نسأل الله له المغفرة وأن يسكنه فسيح جنّاته، إنه سميع مجيب..

غازي القصيبي، وهو يغادر الدنيا بعد أن ملأها بالعطاء والعمل الجاد الذي جعل الناس يحفظون اسمه ويتذكرونه في مجالات كثيرة. ولأنه لم يعمل فقط لنفسه بل عمل لنفسه وللآخرين، لهذا فإن عمره لم يتوقف هذا اليوم بل سيظل بعد وفاته في ذاكرة الناس والمجتمع والتاريخ. فإن ذُكرت الإدارة الناجحة، برز اسمه ضمن أهمّ الشخصيات التي استطاعت النهوض والتغيير الإيجابي في بيئة العمل من خلال الوزارات والهيئات التي رأسها أو أشرف عليها. وإن ذُكر الأدب والإبداع، جاء اسمه على رأس قائمة أدباء المملكة العربية السعودية المعاصرين البارزين في الشعر وفي الرواية وفي كتابة المقالة.

لقد كان بحق من الرجال الكبار الذين نفتخر بهم، ونعتبر رحيلهم خسارة.. ولكنه قضاء الله وقدره.. فقد فقدنا شخصية مسؤولة ومتزنة.. وواجهة من واجهاتنا الحضارية.

رحمك الله يا غازي.. وخلفك خيراً في أهلك وولدك.. ولقد شكرنا والد الجميع الملك عبدالله الإنسان أن عبّر عن مشاعرنا يوم وصفه وهو يعزّي أهله فيه فقال: «إنه رجل من أهم رجالات الدولة الذين خدموا دينهم، ثم مليكهم، وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاصٍ».

رحمك الله يا غازي القلوب فقد كنت رجلاً كريماً، وفارساً للكلمة.

لقد تألّمنا لفراقك في المملكة.. ولكنّ عزاءنا تلك المشاركة الواسعة التي لمسنا أصداءها في عالمنا العربي ومن حولنا.. فقد كنتَ مشعلاً وسفيراً للكلمة قبل السياسة.

لك منا الدعاء بأن يؤنس الله وحشتك.. ويتغمّدك برحمته.. ويتحنن عليك.. فأنت تعود إلى جوار رب كتب على نفسه الرحمة.. عُد إلى رحاب هذا الرب الكريم، بعد أن أكرمك وطهّرك، وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أن الله إذا امتحن عبداً فإنما ذلك جزء من حبه له، وجاء في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم

الأمثل، فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة). (أخرجه الإمام أحمد وغيره). وأنت قد عانيت أيها المخلص، وصبرت، وتحمّلت، وأنت تحمد الله على البلاء، وتسأله السلامة.

عُد يا غازي وقد اختارك الله في هذه العشرة الأولى من رمضان التي فيها الرحمة.. فأوله رحمة كما تعلّمنا.. وأوسطه مغفرة.. وآخره عتق من النار.. وكلنا نُقبل فيه على رب كريم.. وأنت ترحل فيه إلى جوار الرحمن الرحيم.

وإني إذ أرثيك اليوم إنّما أرثي مواطنًا صدح بحبّه لهذا الوطن، ودافع عنه بالكلمة الطيّبة، والقول الصادق. ومن هنا فإني مطمئن عليك أيُّها الحبيب، لأنك في جوار رب رحيم، كتب على نفسه الرحمة، ولم يكتب على نفسه العذاب، وهو يعلم سبحانه خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، وسبحان مَن لا تضرّه معاصينا، ولا تنفعه طاعاتنا، وإنّما يفرح بالعبد الفقير يعود إليه تائباً مستغفراً، وقد أعطي الفرصة خلال هذه المعاناة الطويلة ليرحل إلى جوار ربه آمناً مطمئناً، فعُد يا غازي، ونم في رحاب رب كريم.

وهذه رسالة صفاء أبعثها إلى كل من اختلف معه أقول لهم لا تنسوه من دعائكم فرابطة أخوة الإسلام هو الأقوى والأبقى. لن نتكلم عن إنجازاته الوطنية ولن نتكلم عن إبداعاته الأدبية ولن تكلم عن تفوقه الشعري. فكل مجال من هذه المجالات يحتاج لندوات ومحاضرات وملتقيات لإبراز جهوده فيها ولكن سأتكلم عن غازي الإنسان غازي المسلم والمعتز بإسلامه، لقد حمل هم الإسلام إبان دراسة العليا بالولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات الهجرية وألقى عشرات المحاضرات عن الإسلام وعرف الغرب بسمو هذا الدين وهو الذي قد ساهم في إنشاء كرسي الملك فيصل رحمه الله للدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا وأمر بإنشاء مسجد في كل مصنع يصرح له عندما كان وزيرا للصناعة وهو من أمر بإقامة مسجد في كل مستشفى عندما كان وزيرا للصحة وقد ساهم بجهد كبير في إنشاء مدرسة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكذلك دار القرآن الكريم في البحرين كما ساهم في إنشاء جمعية رعاية الأطفال المعوقين في المملكة وقد أمر بتوزيع المصاحف وكتيبات الأدعية على المرضى في وقت توليه الوزارة وله إسهامات في إنشاء العديد من المساجد داخل المملكة.

وقد ساهم بالمال والجهد في إنشاء عشرات المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وأخيراً سيُخلد التاريخ غازي القصيبي حكايةً ترددها الأمهات على مسامع الأبناء ليهتدوا بشيء من قبسها؛ أسطورةً تتناقلها الأجيال كابراً عن كابر ليعطروا بها مجالسهم، نجماً يزهو به المجد ويتفاخر؛ وحقُ له أن يخلده التاريخ.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد